توجه المفسدة على تقدير الظهار دون غيره كان عليه تقييد طلبه المتعلق بالعتق بصورة وجود الظهار، إذ في غيرها لا مفسدة، حتى يريد دفعها أو رفعها، ولا مورد في هذا المقام لارجاع القيد إلى المادة، أعني العتق، لما ذكرناه من أن تقييد المطلوب إنما يصح فيما إذا كان القيد دخيلا في كون المطلوب ذا مصلحة أو رافعا أو دافعا للمفسدة، وفيما نحن فيه ليس كذلك، فإن الرافع للمفسدة التي تتوجه على تقدير الظهار إنما هو نفس العتق، لا العتق المقيد بالظهار، لان الظهار كان جالبا للمفسدة، فلا يعقل دخالته في رفع أثر نفسه.
وإن شئت وضوح ذلك فانظر إلى المثال المعروف في هذا المقام، فإذا قال الطبيب: (إذا زادت الصفراء فعليك بالسقمونيا) مثلا فهل يكون الرافع لمرض المريض المبتلى بكثرة الصفراء هو السقمونيا المقيد بازدياد الصفراء، بحيث يكون جالب المفسدة أيضا دخيلا في رفعه، أو يكون الرافع له هو نفس السقمونيا على إطلاقه، غاية الأمر أن أمر المريض باستعماله لما كان لغرض إنجائه من المرض المتوجه إليه كان اللازم على الطبيب أمر المريض باستعماله على تقدير ازدياد الصفراء بحيث يكون البعث في هذا التقدير فقط، لعدم وجود الملاك - أعني توجه المفسدة - في غير هذا التقدير، حتى يبعث المريض إلى ما يدفعها؟ وبالجملة: القيد في تلك المقامات لا بد من أن يرجع إلى الهيئة.
الموضع الثاني:
أن يكون الغرض من الامر إيصال العبد إلى مصلحة اشتمل عليها الفعل بإطلاقه ولكن. كان هناك مانع عن البعث نحو ذلك الفعل، إلا على تقدير خاص، ففي هذا المقام أيضا يجب - في مقام الثبوت - تقييد الهيئة لا المادة، إذ المفروض أن مفاد المادة أعني المطلوب بإطلاقه مشتمل على المصلحة الموجبة للامر، غاية الأمر، أن البعث إليه لما كان مبتلى بالمانع على بعض التقادير، فلا محالة وجب على المولى تقييد مفاد الهيئة، أعني البعث والطلب وتخصيصه بصورة عدم وجود المانع المخصوص، ومثال هذا القسم جميع التكاليف الشرعية بالنسبة إلى الشرائط العامة، أعني البلوغ والعقل والقدرة، فما اشتمل على المصلحة إنما هو نفس الصلاة مثلا لا الصلاة المقيدة ببلوغ المكلف أو قدرته، فلا مجال لتقييد المادة حينئذ، بل الواجب على المولى حينئذ تقييد مفاد الهيئة، أعني البعث لوجود المانع عن إطلاقه، وهو قصور المكلف عن الانبعاث.
ومن أمثلة هذا القسم أيضا، الحج المشروط بالاستطاعة فإن المشتمل على المصلحة إنما هو نفس الحج، عن أي شخص صدر، ولو من المتسكع، لا الحج المشروط بالاستطاعة ولكنه لما كان