وهذا بخلاف الوجه الثالث، فان فيه جمعا بين الأدلة وينطبق على ظواهرها بلا تكلف، فان لازم هذا الوجه هو أن يكون الشرط بحسب الجعل الأولي نفس الطهارة الواقعية - كما هو ظاهر أدلة الشرائط - وأنه لابد من إحراز الطهارة بوجه حال الاشتغال بالعمل عند الالتفات إليها، فإنه مع عدم إحراز الطهارة لا يمكن الاتيان بالعمل امتثالا للامر الواقعي، فيوافق ما عليه فتوى الأصحاب: من اعتبار إحراز الطهارة بوجه، ولا يكفي الشك فيها من دون أن يكون له مزيل شرعي، وينطبق أيضا على ظاهر الاخبار: من عدم وجوب الإعادة عند عدم العلم بالنجاسة، فان عدم العلم بالنجاسة لا يخلو: إما لكون المكلف غافلا عن نجاسة ثوبه أو بدنه وإما لكونه شاكا في ذلك، وعلى كلا التقديرين: يمكن للمكلف الاتيان بالعمل امتثالا للامر الواقعي، أما في صورة الغفلة فواضح، وأما في صورة الشك فلجريان استصحاب الطهارة وقاعدتها، فيكون المكلف محرزا للطهارة. ولا ينافي ذلك وجوب الإعادة عند نسيان النجاسة بعد العلم بها، فان القناعة عن الواقع بما يقع امتثالا له يختص بحكم الشارع بما إذا لم يسبق العلم بالنجاسة.
وبالجملة: الانصاف أن في الوجه الثالث جمعا بين جميع الأدلة وفتاوى الأصحاب، فهو الذي ينبغي البناء عليه. وحاصله: هو أن الاجزاء في موارد تخلف بعض الاجزاء والشروط إنما هو لأجل قناعة الشارع بما يقع امتثالا عن الواقع، لكون العمل في هذا الحال مشتملا على الغرض من الامر.
وبذلك يندفع ما ربما يتوهم: من أن العمل المأتي به في حال الجهل إن كان واجدا للمصلحة فلابد وأن يتعلق به الطلب والامر في عرض الواقع ويكون المكلف به في الواقع أحد الأمرين ولو في صورة الجهل ولا وجه لان يكون المكلف به الواقعي هو خصوص الواجد للشرط بعدما كان الفاقد له مشتملا على المصلحة، غايته أنه يكون من قبيل التخيير بين الأقل والأكثر كالتخيير بين