فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ٧٣٥
بكون المخصصات الواردة بعد حضور وقت العمل بالعمومات كلها تكون ناسخة للعمومات (1) فالاحتمال الأول ساقط، ويدور الامر بين أحد الاحتمالين الأخيرين.
(١) أقول: بعد إمكان تأخير المخصص عن وقت العمل بل وتقديم ورود الناسخ على العمل بشهادة تفويض إبرازه إلى الأئمة عليهم السلام من بعده - إذ ذلك مستلزم لتأخير بروز الناسخ وإعلامه بعد العمل لا وروده إذ يستحيل وروده واقعا بعد انقطاع الوحي - كانت التخصيصات الواردة بعد العمومات قابلة للنسخ والتخصيص، فلا محيص من ترجيح التخصيص بوجه متيقن لا لصرف دعوى البداهة، خصوصا مع اقتضاء أصالة العموم نسخية الخاص.
وتوهم معارضته مع عموم ما دل على بقاء الاحكام من الحلال والحرام مدفوع غايته، لان عموم الاحكام لا يكاد ينطبق على المورد إلا بعد جريان أصالة العموم في العام، لأنه محرز لموضوعه، فكيف يعارضه أصالة العموم في الحلال والحرام معه؟ إذ لازم جريانه عدم الجريان، وهو محال. وبعبارة أخرى: أصالة العموم في الاحكام إنما هو في ظرف تحقق موضوعه، ولا يصلح مثله للمعارضة مع ما يحرز هذا الموضوع، فقهرا يصير هذا الأصل حاكما ومقدما على الأصل الآخر، كما أن إطلاق العام زمانا أيضا تبع لهذا العموم، فكيف يعارضه عمومه؟ نعم: ما يصلح للمعارضة له هو أصالة الاطلاق في طرف الخاص، فإنه يقتضي ثبوت حكمه من الأول وهو ينافي العموم لهذا الفرد قبل ورود الخاص، وهذا التقريب على المختار - من صلاحية معارضة أصالة الاطلاق في المنفصل مع أصالة العموم - في غاية المتانة، فيجري بعد التعارض حكم التخصيص على الخاص. ولكن هذا الكلام إنما يصح في الخاص الوارد قبل العام، واما الخاص الوارد بعد العام، فلا أثر لهذا النزاع بالنسبة إلى من وجد بعد ورود الخاص، حيث إن احتمال الناسخية لا يؤثر في حقه عملا كي يجري في حقه أصالة العموم فيصلح للمعارضة. نعم: يصلح هذا الثمر بالنسبة إلى الموجودين في زمان الخطابين، فإنه يثمر هذا النزاع في حقهم بالنسبة إلى القضاء وعدمه، وإلا فبالنسبة إليهم أيضا لا يجدي أصالة الاطلاق في طرف الخاص بالنسبة إلى ما مضى من زمانه، فإنه خارج عن محل ابتلائه، كما لا يخفى.
ثم إن ما ذكرنا كله على فرض إرجاع النسخ إلى التصرف في الدلالة، وإلا فلو كان باب النسخ - كما أشرنا - من قبيل صورة البداء فكان التصرف فيه من قبيل التصرف في الجهة. وحينئذ قد يتوهم بأنه في الدوران بينهما يقدم التصرف الدلالي على الجهتي، كما هو الشأن بين الجمع الدلالي أو الحمل على التقية، حيث إن بناء الأصحاب على تقديم الجمع على التقية، فلازمه في المقام تقديم التخصيص على النسخ. ولكن يمكن ان يقال: إن مناط تقديم الجمع على التقية إنما هو من جهة اقتضاء التقية طرح السند رأسا، بخلاف الجمع، وهذا المناط غير جار في المقام، حيث إنه على النسخ لا يلزم طرح السند رأسا، وليس في البين أيضا تعبد خاص بتقديم التصرف الدلالي على الجهتي، كي يتعدى به إلى المورد.
وحينئذ فلا محيص في المقام من إعمال المعارضة المزبورة بين الجمع والجهة في الخاص المتقدم، فيجري عليه حكم التخصيص، كما أشرنا. واما في الخاص المتأخر فيجري التفصيل الذي قلنا فيه سابقا، كما لا يخفى، فتدبر في ما قلت.