الأصول العملية المحرزة إنما هو الجهة الثالثة.
وأما الجهة الأولى: فهي من اللوازم التكوينية للعلم الوجداني غير قابلة لان تنالها يد الجعل التشريعي، وقد تقدم تفصيل ذلك كله في الجزء الثالث من الكتاب عند البحث عن قيام الطرق والأصول مقام القطع الطريقي، وإجماله:
هو أن العلم عبارة عن الصورة الحاصلة في نفس العالم وبتوسط تلك الصورة ينكشف ذو الصورة ويكون محرزا لدى العالم، فالعالم إنما يرى ذا الصورة بتوسط الصورة المرتسمة في النفس، ومن هنا يكون المعلوم أولا وبالذات نفس الصورة (1) ولأجل كونها مطابقة لذي الصورة يكون ذو الصورة معلوما ثانيا وبالتبع، وهذا من غير فرق بين أن يكون العلم من مقولة الكيف أو الفعل أو الانفعال أو غير ذلك، فإنه على جميع التقادير لا يتعلق العلم بالذوات الخارجية إلا بتوسط ما يكون بمنزلة المرآت والقنطرة لها، فكاشفية العلم عن المتعلق إنما تكون بعد قيام الصورة في النفس فيتعقبها الكاشفية والاحراز، ثم يتعقب الكاشفية والاحراز الحركة والجري العملي نحو المتعلق، فالعطشان العالم بوجود الماء في المكان الكذائي يطلبه ويتحرك نحوه، والخائف العالم بوجود الأسد في الطريق يفر منه ويترك سلوكه، فالجري العملي وحركة العضلات إنما يكون بعد إحراز المتعلق.
فهذه الجهات الثلاث مترتبة في الوجود، بمعنى أن الجهة الأولى متقدمة