- وهي طهارة كل ما يغسل بالماء الطاهر - إنما تكون معلومة من دليل اجتهادي آخر غير أدلة الاستصحاب، وإنما يراد من استصحاب طهارة الماء اثبات كون الثوب مغسولا بالماء الطاهر وانطباق الكبرى الكلية على الثوب النجس المغسول بالماء، فيرتفع الشك في نجاسة الثوب من ضم الوجدان بالأصل، أي الغسل بالوجدان وطهارة الماء بالأصل.
وهذا بخلاف الشبهات الحكمية، فان كون أحد طرفي الشك المسببي أثرا شرعيا لمؤدى الأصل السببي وجعل الكبرى الكلية الشرعية في طرف المسبب إنما يكون بنفس أدلة الاستصحاب، بحيث لو لم يكن الاستصحاب حجة شرعية لم تكن تلك الكبرى مجعولة في طرف المسبب، كما في مثال العنب والزبيب المغلي، فإنه لم يقم دليل على حكم الزبيب المغلي وإنما يراد إثبات حكمه بالاستصحاب، فيكون استصحاب نجاسة العنب إذا غلى مثبتا لنجاسة الزبيب المغلي وحرمته ورافعا للشك في حليته وطهارته، فان التعبد بنجاسة الشئ وحرمته يقتضي عدم الحلية والطهارة، فالاستصحاب التعليقي لو لم يثبت عدم حلية الزبيب وطهارته كان التعبد به لغوا ويلزم بطلان استصحاب التعليقي أساسا.
وحاصل الكلام: هو أن عدم أحد الضدين وإن كان من اللوازم العقلية لوجود الآخر والأصول العملية لا تثبت اللوازم العقلية، إلا أن هذا فيما إذا لم يكن التعبد بعدم أحد الضدين مما يقتضيه التعبد بوجود الضد الآخر، كما فيما نحن فيه، فان التعبد بنجاسة العنب المغلي وحرمته بما له من المراتب التي منها مرتبة كونه زبيبا - كما هو مفاد الاستصحاب التعليقي - يقتضي التعبد بعدم طهارته وحليته، إذ لا معنى للتعبد بالنجاسة والحرمة إلا إلغاء احتمال الحلية والطهارة، فاستصحاب الحرمة والنجاسة التعليقية يكون حاكما على استصحاب الحلية والطهارة الفعلية ورافعا لموضوعه، فتأمل جيدا.