أصالة العموم أو الاطلاق، فضلا عن الرجوع إلى أصالة البراءة أو الاشتغال، فقيام النص المجل على وجوب الأقل والأكثر لا يمنع عن جريان البراءة، من غير فرق في ذلك بين أن يكون الاجمال في نفس متعلق التكليف - كما لو تردد مفهوم الاكرام الواجب بقوله: " أكرم العلماء " أو المحرم بقوله: " لا تكرم الفساق " بين أن يكون هو خصوص الضيافة أو مع زيادة التحية - أو يكون الاجمال في متعلق المتعلق، كما لو تردد مفهوم العالم بين من كان له ملكة الفقه فقط أو بزيادة ملكة النحو، وكما لو تردد مفهوم الفاسق بين من كان مرتكب الصغيرة أو بزيادة ارتكاب الكبيرة، ففي جميع ذلك يؤخذ بالمتيقن ويرجع في المشكوك إلى أصالة البراءة، سواء كان المتيقن هو الأقل - كما في متعلقات التكاليف الوجوبية فان المتيقن من تعلق التكليف به في قوله: " أكرم العلماء " هو الضيافة وأما التحية فيشك في تعلق التكليف بها - أو كان المتيقن هو الأكثر، كما في متعلقات التكاليف التحريمية، وكما في موضوعات التكاليف مطلقا وجوبية كانت أو تحريمية، فان المتيقن من تعلق النهي به في قوله:
" لا تكرم الفساق " هو الضيافة بضميمة التحية، وأما الضيافة فقط فيشك في تعلق النهي بها، وكذا المتيقن من الموضوع في قوله: " أكرم العلماء " هو من كان له ملكة الفقه والنحو، والمتيقن من الموضوع في قوله: " لا تكرم الفساق " هو من كان مرتكب الكبيرة والصغيرة معا، وأما من كان له ملكة الفقه فقط ومن كان مرتكب الصغيرة فقط، فيشك في وجوب إكرامه أو حرمة إكرامه، لعدم العلم باندراجه في عموم " أكرم العلماء " أو في عموم " لا تكرم الفساق " والأصل البراءة عن وجوب إكرام الأول وحرمة إكرام الثاني.
ففي مثل قوله: " لا تكرم الفساق " يجوز الضيافة مع التحية لمرتكب الصغيرة فقط، فإنه وإن علم بتحقق الاكرام، إلا أنه يشك في تعلقه بالفاسق، لاحتمال أن يكون لارتكاب الكبيرة دخل في صدق الفاسق، وكذا يجوز الضيافة فقط