والكيفيات اللاحقة للمأمور به بنفس الامر بلا لحاظ سابق ولا جعل لاحق.
وهذا الوجه وإن كان خلاف التحقيق عندنا، لما بينا في محله: من أن الامر التعبدي لا يباين الامر التوصلي بهوية ذاته، بل وصف التعبدية إنما يلحق المأمور به بالجعل الثانوي المتمم للجعل الأولي، فإنه للآمر التوصل إلى بيان تمام غرضه بجعلين إذا لم يمكن استيفائه بجعل واحد، كما إذا كان لقصد الامتثال دخل في غرضه، فإنه لا يمكن أخذه في متعلق الامر، لكونه من الانقسامات اللاحقة للمأمور به بعد تعلق الامر به، فيتوصل المولى إلى بيان تمام غرضه بجعلين: جعل يتكفل الاجزاء والشرائط التي يمكن أخذها في المتعلق، وجعل يتكفل اعتبار قصد الامتثال والتعبد، فيكون الجعل الثانوي متمما للجعل الأولي ويقوم بهما ملاك واحد، كما أوضحناه في محله.
ومن هنا كان الأقوى عندنا جريان البراءة عن وجوب قصد الامتثال عند الشك في التعبدية والتوصلية، ولا موقع للرجوع إلى قاعدة الاشتغال، لأنه يكون من صغريات تردد المكلف به بين الأقل والأكثر، وقد تقدم أن الأقوى جريان البراءة الشرعية فيه.
ولكن لو بنينا على أن لحوق وصف التعبدية للمأمور به من مقتضيات ذات الامر بلا حاجة إلى متمم الجعل لكان للمنع عن جريان أصالة البراءة عند الشك في اعتبار قصد الامتثال وجه، فإنه بعد البناء على تباين الامر التعبدي والتوصلي يكون الدوران بين التعبدية والتوصلية من أقسام الدوران بين المتباينين، فلا يجوز إهمال قصد الامتثال، لاحتمال أن يكون الغرض من الامر التعبد به وقصد امتثاله، ولا دافع لهذا الاحتمال عقلا وشرعا، لأنه ليس اعتباره بالجعل الثانوي حتى يدفع احتمال اعتباره بأصالة عدم تعلق الجعل به، بل المفروض: أن ذات الامر يقتضي إيجاب التعبد وقصد الامتثال، فلا أصل ينفي احتمال كون الغرض من الامر التعبد به، فلابد من قصد الامتثال عند الشك في اعتباره لكي يعلم بتحقق