بين هذه الأخبار هو أن ما استدل به على القول المشهور من الاكتفاء في ثبوت الهلال بالعدلين مطلقا غير خال من الاجمال وقبول الاحتمال وليس بنص بل ولا ظاهر في ما ذكروه، فإن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار ثبوت الهلال بالشاهدين في الجملة وهو من ما لا نزاع فيه.
وتفصيل هذه الجملة هو أن المستفاد من الأخبار الكثيرة التي قدمنا شطرا منها في المسألة السابقة هو أنه متى كانت السماء صاحية خالية من العلة وتوجه الناس إلى النظر إلى الهلال وكان ثمة هلال فإنه لا يختص بنظره واحد من عشرة ولا عشرة من مائة بل إذا رآه واحد رآه ألف لأن المفروض سلامة الرائي من العلة والمرئي، وهذا هو المراد من قولهم (عليهم السلام) في تلك الأخبار (1) " الصوم للرؤية والفطر للرؤية وليس الرؤية أن يراه واحد ولا عشره ولا خمسون ".
وظاهر هذه الأخبار أنه لا بد أن تبلغ الرؤية إلى حد الشياع الموجب للعلم فلا يكتفي فيها بالظن المنهي عنه في تلك الأخبار المستفيضة التي قدمنا بعضها في المسألة السابقة، وشهادة العدلين غاية ما تفيده عندهم هو الظن والظن هنا من ما قد منعت منه الأخبار للتمكن من العلم واليقين كما هو المفروض، وحينئذ فلا بد هنا من ما يفيد العلم، وقد دل ظاهر خبري الخزاز وحبيب المتقدمين (2) على أن أقل ما يحصل به خمسون، فذكر الخمسين هنا إنما خرج مخرج التمثيل والمبالغة في من يحصل بخبرهم العلم، وسياق صحيحة الخزاز (3) ظاهر في ما ذكرناه من هذا التوجيه حيث إنه لما سأله السائل كم يجزئ في رؤية الهلال؟ أجابه بأن شهر رمضان فريضة واجبة يقينا فلا تؤدى إلا بالعلم واليقين لا بالظن، وليس الرؤية الموجبة للعمل واليقين أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول آخرون لم نره لأن المفروض زوال العلة من الرائي والمرئي وهو المبني عليه ذكر الرواية - بل إذا رآه واحد رآه ألف، وحينئذ فلا يجوز في الرؤية المترتب عليها العلم واليقين أقل من خمسين. هذا مضمون سياق