حقيقة، وأما النية بالمعنى الذي حققناه فإنه لا معنى لهذا الكلام بالكلية، فإن من نذر صوما معينا ثم قصد الاتيان بذلك فإنه لا ريب في حصول التعيين عنده، بل لو أراد الصوم على الوجه المذكور من غير التعيين لم يتيسر له ولهذا عد في تكليف ما لا يطاق من حيث أنه جبلي لا يمكن الانفكاك عنه مع القصد المذكور إلا أن يكون ساهيا أو ذاهلا وهو خارج عن محل البحث.
وثالثها أنه هل يعتبر نية الوجه من الوجوب أو الندب؟ قولان وظاهر جماعة ممن قال باعتبار نية الوجه سقوطه هنا من حيث عدم إمكان وقوع شهر رمضان بنية الندب للمكلف به فلا يحتاج إلى التمييز عنه. إلا أن يقال بوجوب ايقاع الفعل بوجهه من وجوب أو ندب كما ذكره المتكلمون فيحب ذلك وإن لم يكن مميزا.
قال في المسالك بعد ذكر ذلك: لا ريب أن إضافة الوجوب إلى القربة أحوط وضم التعيين إليهما أفضل والتعرض للأداء مع ذلك أكمل. انتهى. وفيه نظر وتحقيق البحث في المسألة قد مر مستوفى في كتاب الطهارة.
هذا في ما كان متعينا وأما غيره كالقضاء والنذر المطلق والكفارة والنافلة فقد صرحوا بأنه لا بد من التعيين لوقوعه على وجوه متعددة فافتقر إلى نية التعيين ليتميز المنوي عن غيره. قال في المعتبر: وعلى ذلك فتوى الأصحاب.
أقول: ما ذكروه هنا متجه لا إشكال فيه لأن الفعل الواحد الواقع على أنحاء متعددة لا ينصرف إلى أحدها إلا بقصده ونيته ولكن يكفي في ذلك تعينه بأول القصد إلى ايقاعه ولا يحتاج بعده إلى تصوير ولا حديث في النفس كما هو النية المشهورة بينهم.
الثاني المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا بد من ايقاع النية ليلا في أوله أو آخره، وبعبارة أخرى لا بد من حصولها عند أول جزء من الصوم أو تبييتها، لأن الاخلال بكل من الأمرين يقتضي مضي جزء من الصوم بغير نية