المشهور أيضا بين المتأخرين، على أن ما دل على الجواز ليس منحصرا في هذين الخبرين بل هو ظاهر موثقة زرارة المتقدمة (1) لقوله عليه السلام: " لا تصوم وضع الله عز وجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها " فإنه منعها عن صوم النذر الذي هو حق الله عز وجل ورخص لها في صيام المستحب وهو ما جعلته على نفسها وروى الشيخ في الصحيح عن سليمان الجعفري (2) قال: " سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول كان أبي عليه السلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل من ما يبلغ منه من الحر ".
ومن الأخبار الصريحة في المنع من الصوم المستحب موثقة عمار المتقدمة (3) لقوله عليه السلام فيها " إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره والصوم في السفر معصية " ونحوها صحيحة زرارة المتقدمة (4).
ونقل الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (5) قال روى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة.
بقي الكلام في أن الجمع بين هذه الأخبار بحمل أخبار التحريم على الكراهة كما ذكروه مشكل بما قدمنا ذكره في غير موضع من أن حمل اللفظ الدال على التحريم على الكراهة واخراجه عن حقيقته مجاز لا يصار إليه إلا مع القرينة ووجود المعارض من الأخبار ليس قرينة على ذلك. وأيضا فإن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بالدليل الواضح واختلاف الأخبار ليس بدليل على ذلك. ولعل أخبار الجواز إنما خرجت مخرج التقية كما هو الغالب في اختلاف الأخبار، فإن ذلك هو المناسب لمذهب العامة (6) حيث إن أخبار المنع معتضدة بعمل الطائفة قديما وحديثا مع