وروى العياشي عن حماد بن عيسى عن حسان بن أبي على (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ليلة القدر فقال اطلبها في تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين ".
وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) " أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله (عز وجل):
أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لم أكن عالما بها، اعلموا أيها الناس أنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب (عز وجل) وقال أبو عبد الله عليه السلام فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد ".
أقول: في هذه الأخبار المتعلقة بليلة القدر فوائد شريفة ينبغي التنبيه عليها:
الأولى لا يخفى أن هذا الخبر الأخير قد اشتمل على إخفاء ليلة القدر بالكلية وعدم الاعلام بها مع السؤال عنها، وجملة من الأخبار المتقدمة قد اشتملت على اخفائها في ليلتين أو ثلاث، وجملة قد صرحت بها.
ولعل الوجه في ذلك أن السبب في اخفائها بالمرة ليستوعب الشهر كله بالأعمال الصالحة، وهذا هو الأنسب بسائر الناس فإنهم متى علموها على الخصوص فلربما رغبوا عن العمل في غيرها ايثارا لها بذلك. وأما من عرف حرمة الشهر ووفاه أعماله فهؤلاء الخواص وقد أخفيت لهم في ليلتين أو ثلاث ليوفوا هذه الليالي الشريفة أعمالها لأن بعضها وإن لم يكن ليلة القدر إلا أنه من القريب من مرتبتها.
وأما من بينت له بالخصوص فهم خواص الخواص الذين يعلم منهم القيام بأعمال تلك الليالي الشريفة وإن علموا أنها ليست بليلة القدر، وإليه يشير مسارة الرسول صلى الله عليه وآله الجهني في أذنه. ولا ينافي ذلك حديث زرارة المتقدم وعدم اعلام الباقر