الخبر المذكور وهو صحيح صريح عار عن النقص والقصور وأما إذا كان في السماء علة مانعة من الرؤية فإنه يتعذر العلم واليقين في هذه الحال فيكتفي بالشاهدين.
بقي أن الخبرين المذكورين صرحا بكون الشاهدين من خارج البلد، والظاهر أن ذلك خرج مخرج الغالب من حيث عدم إمكان الرؤية في البلد إذ لو رآه عدلان لرآه من يزيد على ذلك وأمكن حصول العلم، واحتمال أن تحصل فرجة يراه فيها عدلان خاصة نادر، فمن أجل ذلك اعتبر العدلان من خارج، والأخبار السابقة التي استند إليها الأصحاب منها ما هو مطلق يمكن أن يقيد بهذين الخبرين مثل قوله عليه السلام (1) " لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين " والحصر هنا إضافي بالنسبة إلى عدم جواز شهادة النساء ويكون مخصوصا بالعلة المانعة من الرؤية الشائعة. وأما أخبار القضاء فهي ظاهرة في كون الشاهدين من خارج البلد كما ذكرناه في المسألة السابقة.
وبالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب أن محل النزاع هو أنه هل يكتفى بالعدلين في ثبوت الهلال أم لا؟ وليس الأمر كذلك إنما محل النزاع في أنه متى كانت السماء خالية من العلة المانعة للرؤية وتوجه الناس إلى رؤيته فهل يكفي العدلان خاصة كما يدعيه أصحاب القول المشهور أو لا بد من الرؤية اليقينية التي هي عبارة عن رؤية المكلف نفسه أو حصول الشياع الموجب للعلم؟ والروايات قد استفاضت بأنه لا بد من الرؤية اليقينية الموجبة للعلم لمن لم يره فإنه في صورة عدم العلة المانعة من الرؤية في جانب الرائي والمرئي لا يختص به واحد أو مائة من ألف بل كل من نظر رأى.
وهذا هو الذي انصبت عليه الروايات، ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا وينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة وآلف.
وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين ".