لتحدث له الأيام شكر صناعه * تطيب صبا نجد به وجنائبه ويا أيها الساري أسر غير محاذر * جنان ظلام أو ردى أنت هائبه فقد بث عبد الله خوف انتقامه * على الليل حتى ما تدب عقاربه ويوم امام الملك دحض وقفته * ولو خر فيه الدين لانهال كاثبه (1) جلوت به وجه الخليفة والقنا * قد اتسعت بين الضلوع مذاهبه ليالي لم يقعد بسيفك ان يرى * هو الموت الا ان عفوك غالبه فلو نطقت حرب لقالت محقة * الا هكذا فليكسب المجد كاسبه ويا أيها الساعي ليدرك شأوه * تزحزح قصيا أسوأ الظن كاذبه إذا ما امرؤ القى بربعك رحله * فقد طالبته بالنجاح مطالبه وفي الأغاني: أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي حدثني عمي الفضل قال لما شخص أبو تمام إلى عبد الله بن طاهر وهو بخراسان اقبل الشتاء وهو هناك فاستثقل البلد وقد كان عبد الله وجد عليه وابطأ بجائزته لأنه نثر عليه ألف دينار فلم يمسها بيده ترفعا عنها فاغضبه وقال يحتقر فعلي ويترفع علي فكان يبعث اليه بالشئ بعد الشئ كالقوت فقال أبو تمام لم يبق للصيف لا رسم ولا طلل الأبيات الآتية وقال الصولي حدثني أحمد بن محمد البصري حدثني فضل اليزيدي قال لما صار أبو تمام إلى خراسان لمدح عبد الله بن طاهر كرهها واقبل الشتاء فاشتد عليه امر البرد فقال يذم الشتاء ويمدح الصيف.
لم يبق للصيف لا رسم ولا طلل * ولا قشيب فيستكسى ولا سمل عدل من الدمع ان تبكي المصيف كما * يبكي الشباب ويبكي اللهو والغزل يمنى الزمان طوت معروفها وغدت * يسراه وهي لنا من بعدها بدل ما للشتاء ولا للصيف من مثل * يرضى به السمع الا الجود والبخل أما ترى الأرض غضبى والحصى قلقا * والأفق بالحرجف النكباء يقتتل من يزعم الصيف لم تذهب بشاشته * فغير ذلك امسى يزعم الجبل غدا له مغفر في رأسه يقق * لا تهتك البيض فوديه ولا الأسل إذا خراسان عن صنبرها كشرت * كانت قيادا لنا أنيابه العصل (2) ان يسر الله امرا أثمرت معه * من حيث أورقت الحاجات والأمل فما صلائي ان كان الصلاء بها * جمر الغضا الجزل الا السير والإبل المرضياتك ما أرغمت آنفها * والهادياتك وهي الرشد الضلل تقرب الشقة القصوى إذا اخذت * سلاحها وهو الارقال والرمل إذا تظلمت من ارض فضلت بها * كانت هي العز الا انها ذلل فبلغ شعره عبد الله بن طاهر فعجل جائزته وصرفه وقال أبو فرج فبلغت الأبيات أبا العميثل شاعر عبد الله بن طاهر فأتى أبا تمام واعتذر اليه لعبد الله بن طاهر وعاتبه على ما عتب عليه من اجله وتضمن له ما يحبه ثم دخل على عبد الله فقال أيها الأمير أتتهاون بمثل أبي تمام وتجفوه فوالله لو لم يكن له ما له من النباهة في قدره والاحسان في شعره والشائع من ذكره لكان الخوف من شره والتوقي لذمه يوجب على مثلك رعايته ومراقبته فكيف وله بنزوعه إليك من الوطن وفراقه السكن وقد قصدك عاقدا بك امله معملا إليك ركابه متعبا فيك فكره وجسمه وفي ذلك ما يلزمك قضاء حقه حتى ينصرف راضيا ولو لم يأت بفائدة ولا سمع فيك منه ما سمع إلا قوله:
يقول في قومس صحبي البيتين فقال له عبد الله لقد نبهت فأحسنت وشفعت فلطفت وعاتبت فأوجعت ولك ولأبي تمام العتبى ادعه يا غلام فدعاه فنادمه يومه وأمر له بألفي دينار وما يحمله من الظهر وخلع عليه خلعة تامة من ثيابه وأمر ببذرقته (3) إلى آخر عمله.
وفي أخبار أبي تمام للصولي: حدثنا أبو عبد الله محمد بن موسى الرازي حدثني محمد بن إسحاق الختلي وكان يتوكل لعبد الله بن طاهر انه أمر له بشئ لم يرضه ففرقه فغضب عليه لاستقلاله ما أعطاه وتفريقه إياه فشكا أبو تمام ذلك إلى أبي العميثل شاعر آل طاهر وأخص الناس بهم فدخل على عبد الله بن طاهر فقال له أيها الأمير أتغضب على من حمل إليك أمله من العراق وكد فيك جسمه وفكره ومن يقول فيك (يقول في قومس صحبي) البيتين السابقين قال فدعا به ونادمه يومه ذلك وخلع عليه ووهب له ألف دينار وخاتما كان في يده له قدر (اه).
فهذه الروايات تدل على أن أبا تمام استقل الألف الدينار التي نثرت عليه فلم يمسها وأن عبد الله بن طاهر غضب عليه لأجل ذلك وأن أبا العميثل أصلح الحال بينهما حتى رضي عنه ابن طاهر وأجازه بما أرضاه ولكن الذي حكاه ابن عساكر في تاريخ دمشق يدل على أن أبا تمام خرج من نيسابور ولم يقبل صلة ابن طاهر وأنه هجاه وهذا يناقض ما مر. قال ابن عساكر قال منصور بن طلحة بن طاهر ما بلغ من الأمير عبد الله بن طاهر شئ مما قال فيه أبو تمام ما بلغ منه قوله فيه حين خرج من نيسابور ولم يقبل صلته قال:
يا أيها الملك المقيم ببلدة * لا تأمنن حوادث الأزمان صاح الزمان باهل قومك صيحة (4) * خروا لشدتها على الأذقان وثنى بأخرى مثلها فأبادهم * وأتى الزمان على بني ماهان وغدا يصيح بال طاهر صيحة * غضب يحل بهم من الرحمن و قال الصولي في أخبار أبي تمام: ويروى ان عبد الله بن طاهر حجبه فكتب اليه:
صبرا على المطل ما لم يتله الكذب * وللخطوب إذا سامحتها عقب على المقادير لوم ان رميت بها * من قادر وعلي السعي والطلب يا أيها الملك النائي برؤيته * وجوده لمراعي جوده كثب ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا * إن السماء ترجى حين تحتجب قال ويروي انه كتب بها إلى أبي دلف وقيل إلى ابن أبي دؤاد وقيل في إسحاق بن إبراهيم المصعبي. وفي الديوان قال يعاتب أبا دلف وقيل عبد الله بن طاهر وفي خاص الخاص للثعالبي ان البيتين الأخيرين أحسن ما قيل في تحسين الحجاب. وقال حدثني أحمد بن إسماعيل بن الخصيب حدثني عبد الله بن أحمد النيسابوري الصولي وكان أديبا شاعرا قال: استبطأ أبو تمام صلة عبد الله بن طاهر فكتب إلى أبي العميثل شاعر عبد الله وكان دفع اليه رقعة ليوصلها إلى عبد الله. وفي الديوان قال يمدح عبد الله بن طاهر ويسأل أبا العميثل شاعره عن شئ وقع له به عبد الله فتأخر عنه: