ليت الظباء أبا العميثل خبرت * خبرا يروي صاديات الهام إن الأمير إذا الحوادث أظلمت نور الزمان وحلية الاسلام والله ما يدري بآية حالة * يثني مجاوره على الأيام ألما يجامعه لديه من الغنى * أم ما يفارقه من الاعدام وأرى الصحيفة قد علتها فترة * فترت لها الأرواح في الأجسام لولا الأمير وأن حاكم رأيه * في الشعر أصبح أعدل الحكام لثكلت آمالي لديه بأسرها * أو كان إنشادي خفير كلامي ولخفت في تفريقه ما بيننا * ما قيل في عمرو وفي الصمصام (1) فكتب اليه أبو العميثل:
أفهمتنا فنقعت بالافهام * فاسمع جوابك يا أبا تمام إن الظباء سنيحها كبريحها * في جهلها بتصرف الأقوام جفت بأيام الفتى وبرزقه * في اللوح قبل سوابق الأقلام قد كنت حاضر كل ما خبرته * من منطق مستحكم الابرام فيه لطائف من قريض مونق * نطقت بذلك ألسن الحكام ملس المتون لدى السماع كأنها * لمسا ومنظرة متون سلام (2) وشهدت ما قال الأمير بعقبه * من أنه عسل بماء غمام وشهدت أجمل محضر من معشر * منحوا كريم القوم نجل كرام فعليك محمود الأناءة انها * والنجح في قرن على الأيام وذكرت عمروا قبلنا وفراقه * صمصامة النجدات والاقدام والله ينظمنا بعز أميرنا * وطوال مدته أتم نظام وقال وهو بنيسابور يشكو الغربة ويذم الدهر ويتشوق إلى الشام:
صريع هوى تغاديه الهموم * بنيسابور ليس له حميم غريب ليس يؤنسه قريب * ولا يأوي لغربته رحيم مقيم في الديار نوى شطون * يشافههه بها كمد قديم يمد زمامه طمع مقيم * تدرع ثوبه رجل عديم رجاء ما يقابله رخاء * هو اليأس الذي عقباه شوم فقد فارقت بالغربي دارا * بأرض الشام حف بها النعيم وكنت بها الممنع غير وغد * ولا نكد إذا حل العظيم فان أك قد حللت بدار هون * صبوت بها فقد يصبو الحليم إذا أنا لم ألم عثرات دهر * أصبت بها الغداة فمن ألوم وفي الدنيا غنى لم أنب عنه * ولكن ليس في الدنيا كريم وفي الديوان المطبوع بمصر: قال غير أبي بكر: كان أبو تمام بنيسابور على باب عبد الله بن طاهر فخرج أبو العميثل حاجبه برقعة فيها بيتان من شعره قالهما عبد الله فقال لأبي تمام يقول لك الأمير قل في معنى هذين البيتين ووزنهما وهما في الأفشين وكان يحارب بابك في مدينة ارشق والبيتان هما:
لعمري لنعم السيف سيف بارشق * نضى الجفن عنه خير حاف وناعل تمنى به ضربا دراكا فأجفلت * نعامتهم عن بيضها المتقابل فقال أبو تمام هذه القصيدة يمدح بها المعتصم ويذكر الأفشين.
غدا الملك معمور الحرا والمنازل * منور وحف الروض عذب المناهل بمعتصم بالله أصبح ملجأ * ومعتصما حرزا لكل موائل فأضحت عطاياه نوازع شزبا * تسائل في الآفاق عن كل سائل مواهب جدن الأرض حتى كأنما * أخذن بأذناب السحاب الهواطل فكم لحظة أهديتها لابن نكبة * فأصبح منها ذا عقاب ونائل شهدت أمير المؤمنين شهادة * كثير ذوو تصديقها في المحافل لقد لبس الافشين قسطلة الوغى * مخشي بنصل السيف غير مواكل وجرد من آرائه حين أضرمت * له الحرب حدا مثل حد المناصل وسارت به بين القنابل والقنى * عزائم كانت كالقنى والقنابل رأوه إلى الهيجاء أول راكب * وتحت صبير الموت أول نازل تسربل سربالا من الصبر وارتدى * عليه بغضب في الكريهة قاصل وقد ظللت عقبان اعلامه ضحى * بعقبان طير في الدماء نواهل أقامت مع الرايات حتى كأنها * من الجيش إلا انها لم تقاتل عشية صد البابكي عن القنى * صدود المقالي لا صدود المجامل فكان كشاة الرمل قيضه الردى * لقانصه من قبل بث الحبائل فولى وما أبقى الردى من حماته * له غير اسار الرماح الذوابل وعاذ بأطراف المعاقل معصما * وأنسي ان الله فوق المعاقل فتوح أمير المؤمنين تفتحت * لهن أزاهير الربى والخمائل وعادات نصر لم تزل تستعيدها * عصابة حق في عصابة باطل وما هو إلا الوحي أوحد مرهف * تميل ظباه اخدعي كل مائل فهذا دواء الداء من كل عالم * وهذا دواء الداء من كل جاهل وفي اخبار أبي تمام للصولي: حدثني أبو عبد الله محمد بن طاهر قال لما دخل أبو تمام ابرشهر وهي نيسابور ومعنى ابرشهر بالفارسية بلد الغيم يراد به الخصب هوي بها مغنية كانت تغني بالفارسية وكانت حاذقة طيبة الصوت فكان عبد الله كلما سأل عنه اخبر انه عندها فنقص عنده وفيها يقول أبو تمام وفي الديوان وقال وقد سمع مغنية تغني بالفارسية فاستحسن الصوت ولم يعرف المعنى.
أيا سهري ببلدة ابرشهر * ذممت إلي نوما في سواها شكرتك ليلة حسنت وطابت * أقام سرورها ومضى كراها إذا وهدات أرض كان فيها * رضاك (هواك) فلا نحن إلى رباها سمعت بها غناء كان أولى * بان يقتاد نفسي من غناها ومسمعة تفوت السمع حسنا (3) * ولم تصممه لا يصمم صداها مرت أوتارها فشجت وشاقت * فلو يستطيع سامعها فداها ولم افهم معانيها ولكن * ورت كبدي فلم أجهل شجاها فبت كأنني أعمى معنى * يحب الغانيات وما يراها قال الصولي وقد أحسن أبو تمام في هذه الأبيات ثم قال: قال ابن أبي طاهر قلت لأبي تمام أعنيت أحدا بقولك: فبت كأنني أعمى معنى.
البيت فقال نعم عنيت بشار بن برد الضرير قال وأنا احسبه أراد قوله:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة * والاذن تعشق قبل العين أحيانا قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم * الاذن كالعين توفي القلب ما كانا