عداني عنه ذود أعداء منهل * كثير إلى وراده النظر الشزر وسمر أعاد تلمع البيض بينها * وبيض أعاد في أكفهم السمر وقوم متى ما القهم روي القنا * وارض متى ما أغزها شبع النسر وخيل يلوح الخير بين عيونها * ونصل متى شمته نزل النصر إذا ما الفتى أذكى مغاورة العدى * فكل بلاد حل ساحتها ثغر ويوم كان الأرض شابت لهوله * قطعت بخيل حشو فرسانها صبر تسير على مثل الملاء منشرا * وآثارنا طرز لأطرافها عمر ثم يصف المشيعة إلى الحج فيقول ويبدع:
وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة * لها دون عطف الستر من دونها ستر وفي الكم كف ما يراها عديلها * وفي الخدر وجه ليس يعرفه الخدر أشيعها والدمع من شدة الأسى * على خدها نظم وفي نحرها نثر رجعت وقلبي في سجاف غبيطها * ولي لفتات نحو هودجها كثر فهل عرفات عارفات بزورها * وهل شعرت تلك المشاعر والحجر اما اخضر من بطنان مكة ما ذوى * اما اعشب الوادي اما نبت الصخر سقى الله قوما حل رحلك بينهم * سحائب لا قل نداها ولا نزر وهو في خطابه للمحبوب وغزله به لا يجد الا الحرب وغزو الروم أعداء بلاده وقومه موضوعا يتمثل به فيقول:
أيها الغازي الذي * يغزو بجيش الحب جسمي ما يقوم الاجر في * غزوك للروم بأثمي كما أنه يجد صوت قراع السيوف بين الصفوف أشهى اليه من شرب السلاف من كف ظبي ذي شنوف حيث يقول:
أحسن من قهوة معتقة * بكف ظبي مقرطق غنج صوت قراع في وسط معمعة * قد صبغ الأرض من دم المهج وبينا هو يراسل أبا احمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني يعتذر اليه مما ظنه من التعريض به في آخر قصيدته الرائية الطويلة إذا به تجيش نفسه بما تعوده من الفخر والحماسة فيقول بعد النسيب:
لاملاك البلاد علي ضرب * يحل عزيمة الدرع الوقاح ويوم للكماة به عناق * ولكن التصافح بالصفاح ولم تفعل مرارة الأسر ووحشة الغربة عن أهله وصحبه ووطنه في نفسه ما فعله قعوده في هذا الأسر عن الحرب وتدبير أمور القيادة والرياسة فقال من قصيدته العصماء البائية المتقدم ذكرها:
تمر الليالي ليس للنفع موضع * لدي ولا للمعتفين جناب ولا شد لي سرج على ظهر سابح * ولا ضربت لي بالعراء قباب ولا برقت لي في اللقاء قواطع * ولا لمعت لي في الحروب حراب وجميع قصائده الروميات تعرب عما كان ينتابه في الأسر من ألم الشوق إلى الحرب ومنازلة الفرسان.
لم تكن أشعار أبي فراس خيال تمنيات وأحلام فإن اخباره تدل على أن أشعاره صور صادقة من حياته الواقعية ومثله العليا التي كان يعيش بها.
وما أحسن ما ابان به عن نفسيته وما أدق ما أشار به إشارة غير مباشرة إلى ناحية من نفسه هي تحكمه في رغباته واباؤه ان ترغمه تلك الرغبات على اجابتها لا ان يسعى إليها مختارا، في هذه الأبيات:
وما انا من كل المطاعم طاعم * ولا انا من كل المشارب شارب ولا انا راض ان كثرن مكاسبي * إذا لم تكن بالعز تلك المكاسب ولا السيد القمقام عندي بسيد * إذا استنزلته من علاه الرغائب علي طلاب العز من مستقره * ولا ذنب لي ان حاربتني المطالب وعندي صدق الضرب في كل معرك * وليس عليه ان نبون المضارب عتادي لدفع الهم نفس أبية * وقلب على ما شئت منه مصاحب وجرد كأمثال السعالي سلاهب * وخوص كأمثال القسي نجائب وفي قوله:
ومن أبقى الذي أبقيت هانت * عليه موارد الموت الزؤام ثناء طيب لا خلف فيه * وآثار كآثار الغمام وعلم فوارس الحيين اني * قليل من يقوم لهم مقامي لقد حقق ما كان يطمح اليه فأبقى الثناء الطيب والآثار الحميدة وأقام سيفه الحجة لدى فرسان قومه بان من يقوم مقامه نادر قليل لذلك هو بعد ان أدى رسالته يرد موارد الموت الزؤام غير متردد لأنه قد شفى طموح نفسه وبعد همته وحقق الغاية من حياته كما قال:
علينا ان نغاور كل يوم * رخيص الموت بالمهج الغوالي فان عشنا ذخرناها لأخرى * وان متنا فموتات الرجال ويجد نفسه سعيدا مغتبطا بما يعانيه في حروبه من وعورة المنازل والنزول في القفار بين الأفاعي والعقارب لان ورود العذب الزلال لا يجلبه الا ورود الرنق الأجاج حيث يقول من قصيدة:
اوينا بين أطراف العوالي * إلى بلد من النصار خالي تمد بيوتنا في كل فج * به بين الاراقم والصلال نعاف قطونه ونمل منه * ويمنعنا الاباء من الزيال مخافة ان يقال بكل ارض * بنو حمدان كفوا عن قتال ومن عرف الخطوب ومارسته * أطاب النفس بالحرب السجال فإن يك اخوتي وردوا شباها * بأكرم موقف وأجل حال فمن ورد المهالك لم ترعه * رزايا الدهر في أهل ومال وذا الورد المكدر جانباه * بما أوردت من عذب زلال إذا ما لم تخنك يد وقلب * فليس عليك خائنة الليالي ضربت فلم أدع للسيف حدا * وجلت بحيث ضاق عن المجال الأهل منكر ببني نزار * مقامي يوم ذلك أو مقالي ألم أثبت لها والخيل فوضى * بحيث تخف أحلام الرجال تركت ذوابل المران فيها * مخضبة محطمة الأعالي وعدت أجر رمحي عن مقام * تحدث عنه ربات الحجال وكان للدين والاخلاق في شخصية أبي فراس أثر بالغ صادق زاد في نقاء تلك الشخصية وصفائها واعانه في الصعاب التي لاقاها - وهو لما يزل في عنفوان الشباب - على أن يقف من الحياة موقف الحكيم الزاهد المستهين بالمكاره وما أجمل وأصدق عاطفته الدينية وأشجى عتابه لسيف الدولة في خطابه له من بعض الروميات بقوله: