وقال في ايقاعه ببني كلاب أيضا وصفحه عن الحرم:
تخف إذا نطاردها كلاب * فكيف بها إذا قلنا نزال تركناها ولم يتركن الا * لأبناء العمومة والخوال فلم ينهضن عن تلك الحشايا * ولم يبرزن عن تلك الحجال وقال في مثل ذلك:
سلي عني سراة بني معد * ببالس عند مشتجر العوالي لقيناهم بأسياف قصار * كفين مؤونة الأسل الطوال وعادوا سامعين لنا فعدنا * إلى المعهود من شرف الفعال ونحن متى رضينا بعد سخط * اسونا ما جرحنا بالنوال وهو القائل:
ينال اختيار الصفح عن كل مذنب * له عندنا ملا لا تنال الوسائل وقال يتمدح بالحلم والعفو:
يقولون لا تخرق بحلمك هيبة * وأحسن شئ زين الهيبة الحلم فلا تتركن العفو عن كل زلة * فما العفو مذموما وان عظم الجرم ولما أسرت بنو كلاب سيد بني قطن خرج أبو فراس حتى انتزعه منهم وقال:
رددت على بني قطن بسيفي * أسيرا غير مرجو الاياب سررت بفكه حيي نمير * وسؤت بني سبيعة والضباب وما أبغي سوى شكري ثوابا * وان الشكر من خير الثواب فهل يثني علي فتى نمير * بحلي عنه قيد بني كلاب وقال وقد أوقع ببني كلاب واسر مصعبا الطائي وسألته أم بسام فصفح عن الأموال من أبيات:
جار نزعناه قسرا في بيوتكم * والخيل تعصب فرسانا بفرسان بالمرج إذ أم بسام تناشدني * بنات عمك يا حار بن حمدان فظلت اثني صدور الخيل ساهمة * بكل مضطغن بالحقد ملآن ونحن قوم إذا عدنا بسيئة * على العشيرة عقبنا باحسان وأي مثال للأخلاق السامية يحتذيه المرء ويقتدي به اسمى من قوله في البائية السالفة:
انا الجار لا زادي بطئ عليهم * ولا دون مالي في الحوادث باب ولا اطلب العوراء منهم أصيبها * ولا عورتي للطالبين تصاب ولما حصل محمد بن رائق بالموصل دبر على ناصر الدولة ليقتله فسبقه ناصر الدولة بالفتكة وقد كان ابن رائق قتل عمارة العقيلي وجماعة من بني نمير فقال أبو فراس وهو صبي:
لقد علمت قيس بن عيلان اننا * بنا يدرك الثار الذي قل طالبه وانا نزور الملك في عقر داره * ونفتك بالقرم الممنع جانبه وانا فتكنا بالأغر ابن رائق * عشية دبت بالفساد عقاربه أخذنا لكم بالثأر ثأر عمارة * وقد نام لم ينهض إلى الثأر صاحبه وما أحسن ما وصف به نفسه وصفا صدق فيه وأبان عن أخلاقه الفاضلة التي هي أحسن قدوة بقوله:
لئن ألفيتني ملكا مطاعا * فإنك واجدي عبد الصديق أقيم مع الذمام على ابن أمي * واحمل للصديق على الشقيق أفرق بين أموالي وبيني * و اجمع بين مالي والحقوق أخو الغمرات في جد وهزل * أخو النفقات في سعة وضيق جرئ في الحروب على المنايا * جبان عن ملاحاة الرفيق شخصية أبي فراس شخصية غنية بالحيوية. فالأمل والطموح والفتوة والزعامة واستسهال الصعاب حتى الموت في سبيل مثل أعلى للرجولة والقومية والدين كانت كنوزا ثمينة في شخصية أبي فراس وقد تدفقت تلك الحيوية الفياضة في وجوه الحياة العامة فبهرت الأبصار وراعت النفوس.
وانك لتجد دلائل هذه الحيوية جليلة رائعة في جميع اخباره وأشعاره. وإذا لم يكن عجيبا ان تظهر دلائل تلك الحيوية في اخباره وأشعاره وهو الأمير المبجل في سلمه والقائد المنتصر في غزواته وحروبه فان من الرائع العجيب ان يكون في أسر الروم ثم لا تشعره نفسه الأبية شيئا من اللين والمداراة تجاه أعدائه الذين يحكمونه كما يريدون فيناظره الدمستق مناظرة لا يلين فيها (والدمستق) بضم الدال والميم والتاء لقب عظيم من عظماء الروم قيل معناه الرئيس الأكبر للجيش والبطارقة قواده. في اليتيمة وغيرها: احفظ أبو فراس الدمستق في مناظرة جرت بينهما فقال له الدمستق: انما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب فقال له أبو فراس نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام. يغضب أبو فراس الدمستق ويحفظه فيجيبه هذا جوابا فيه كثير من المكر والبراعة إذ يقول لأبي فراس القائل:
وصناعتي ضرب السيوف وانني * متعرض في الشعر بالشعراء (إنما أنتم كتاب ولا تعرفون الحرب) فقد عرف الدمستق كيف يغيظ أبا فراس ويطعن عزته وقوميته ظنا منه بأن أبا فراس الأسير الذي لا حول له ولا قوة سوف يسكت على هذا التحدي ولكن الفارس الأبي يجيبه جواب الغالب للمغلوب لا جواب الأسير لمن هو في أسره فيقوله له: نحن نطأ أرضك منذ ستين سنة بالسيوف أم بالأقلام ثم يقول متحمسا مفتخرا:
أتزعم يا ضخم اللغاديد اننا * ونحن ليوث الحر لا نعرف الحربا فويلك من للحرب ان لم نكن لها * ومن ذا الذي يضحي ويسمي لها تربا ومن ذا يكف الجيش من جنباته * ومن ذا يقود القلب أو يصدم القلبا وويلك من أردى أخاك بمرعش * وجلل ضربا وجه والدك العضبا وويلك من خلى ابن أختك موثقا * وخلاك باللقان (1) تبتدر الشعبا لقد جمعتنا الحرب من قبل هذه * فكنا بها أسدا وكنت بها كلبا فسل بردسا (2) عنا أباك وصهره * وسل أهل (برداليس أعظمهم خطبا بأقلامنا أحجرت أم بسيوفنا * واسد الشري قدنا إليك أم الكتبا تركناك في وسط الفلاة تجوبها * كما انتفق اليربوع يلتثم التربا تفاخرنا بالضرب والطعن في الوغى * لقد أوسعتك النفس يا ابن استها كذبا رعى الله أوفانا إذا قال ذمة * وأنفذنا طعنا وأثبتنا ضربا