وفي اليتيمة: كان سيف الدولة قلما ينشط لمجلس الأنس لاشتغاله عنه بتدبير الجيوش وملابسة الخطوب وممارسة الحروب فوافت حضرته احدى المحسنات من قيان بغداد فتاقت نفس أبي فراس إلى سماعها ولم ير ان يبدأ باستدعائها قبل سيف الدولة فكتب اليه يحثه على استحضارها فقال:
محلك الجوزاء بل ارفع * وصدرك الدهناء بل أوسع وقلبك الرحب الذي لم يزل * للجد والهزل به موضع وفضلك المشهور لا ينقضي * وفخرك الذائع لا يدفع رفه بقرع العود سمعا غدا * قرع العوالي جل ما يسمع وكان سيف الدولة وعد أبا فراس باحضار أبي عبد الله بن المنجم وبالاجتماع به ليلة فكتب اليه أبو فراس:
(قد تقدم وعد سيدنا سيف الدولة باحضار أبي عبد الله ابن المنجم والغناء بحضوره وانا سائل في ذلك. فان رأى سيف الدولة ان يتطول بانجاز ما وعد فعل انشاء الله) وكتب اليه معها بهذين البيتين:
أيا سيدا عمني جوده * بفضلك حزت السنا والثناء قدي ان اتيتك في ليلة * فنلت الغنى وسمعت الغناء فاجابه سيف الدولة:
(انا مشغول بقرع الحوافر عن المزاهر. قال العلوي:
اسمعاني الصياح بالآمبيس * وصريف العيرانة العيطموس واتركاني من قرع مزهرريا * واختلاف الكؤوس بالخندريس ليس يبني العلا بذاك ولا يو * جد كالصبر عند أم ضروس وإذا كنا لا نفعل ما قاله اسود بني عبس:
ولقد أبيت على الطوى واظله * حتى أنال به كريم المأكل فعلى كل حال يقع الانتظار إن شاء الله تعالى).
فكتب اليه أبو فراس:
يبني الرجال وغيره يبني القرى * شتان بين قرى وبين رجال قلق بكثرة ماله وسلاحه * حتى يفرقه على الابطال (1) (قلت): كنت اربا بأبي فراس عن سماع الغناء وهو الذي يقول:
لئن خلق الأنام لحسو كأس * ومزمار وطنبور وعود فلم يخلق بنو حمدان الا * لمجد أو لباس أو لجود وفي اليتيمة كتب أبو فراس إلى سيف الدولة - ولا توجد في الديوان المطبوع:
يا أيها الملك الذي * أضحت له جمل المناقب نتج الربيع محاسنا * القحنها غرر السحائب راقت ورق نسيمها * فحكت لنا صور الحبائب حضر الشراب فلم يطب * شرب الشراب وأنت غائب وما كان أجدر أبا فراس بالتنزه عن ذكر الشرب والشراب في شعره ولعله كان يجري في ذلك على سنن الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون ويصفون ما لا يتعاطون. قال وتأخر عن مجلس سيف الدولة لعلة وجدها فكتب اليه:
لقد نافسني الدهر * بتأخيري عن الحضرة فما ألقى من العلة * ما ألقى من الحسره وفي الديوان اهدى الناس إلى سيف الدولة في بعض الأعياد فأكثروا فاستشار أبو فراس فيما يهديه فكل أشار بشئ فخالفهم وكتب اليه. واقتصر في اليتيمة على قوله اهدى الناس إلى سيف الدولة فأكثروا فكتب اليه أبو فراس:
نفسي فداؤك قد بعثت * بعهدتي بيد الرسول أهديت نفسي انما * يهدى الجليل إلى الجليل وجعلت ما ملكت يدي * صلة المبشر بالقبول لما رأيتك في الأنام * بلا مثيل أو عديل ووقع بين أبي فراس وبعض بني عمه وهو صبي قتال فخرج معه سيف الدولة بالتعتب فقال أبو فراس وفي اليتيمة انه كتب إلى سيف الدولة يعاتبه:
اني منعت من المسير إليكم * ولو استطعت لكنت أول وارد أشكو وهل أشكو جناية منعم * غيظ العدو به وكبت الحاسد قد كنت عدتي التي أسطو بها * ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي فرميت منك بغير ما أملته * والمرء يشرق بالزلال البارد لكن أتت بين السرور مساءة * وصلت لها كف القبول بساعد فصبرت كالولد التقي لبره * يغضي على ألم لضرب الوالد ونقضت عهدا كيف لي بوفائه * ومن المحال صلاح قلب فاسد وكان لسيف الدولة غلام اسمه نجا قد اصطنعه ونوه باسمه وقلده طرسوس واخذ يقرع باب العصيان والكفران وزاد تبسطه وسوء عشرته لرفقائه فبطش به ثلاثة نفر منهم وقتلوه فشق ذلك على سيف الدولة وأمر بقتل قاتليه فكتب اليه أبو فراس:
ترى لنفسك امرا * وما يرى الله أفضل ما زلت تسعى بجد * برغم شانيك مقبل ووجد سيف الدولة على بعض بني عمه فكتب اليه أبو فراس يستعطفه:
ان لم تجاف عن الذنوب * وجدتها فينا كثيره لكن عادتك الجميلة * ان تغض على بصيره وقال لسيف الدولة ولا يوجدان في الديوان المطبوع:
ومالي (2) لا اثني عليك وطالما * وفيت بعهدي والوفاء قليل وأوعدتني حتى إذا ما ملكتني * صفحت وصفح المالكين جميل قال ابن خالويه: في شرح ديوان أبي فراس لما قتل الصباح مولى