مرة واتفقت على حربه فسار إليهم ومعه أبو فراس حتى أوقع بهم وهزمهم وقتل فيهم وقدمه مرة في قطعة من الجيش ليتبعهم فاتبعهم يقتل وياسر وانفذه إلى بني عقيل وبني نمير وبني كلاب حيث عاثوا في عمله فظفر ونصر.
وسار معه مرة إلى قبائل كعب بديار مضر لما شمخت واستفحل امرها فهربت فأمره باللحاق بهم وردهم إلى الطاعة ففعل واخذ رهائنهم وانتدبه مرة لقتال بني كلاب فقاتلهم وأوقع بهم وأفسدوا مرة أخرى فاسرى إليهم سيف الدولة من حلب وأمر أبا فراس ان يعارضه من منبج ففعل واجتمعا بالجسر فأوقعا بهم ولما أكثرت بنو كعب وبنو كلاب الغارات على بني نمير وضيقوا عليهم انهض سيف الدولة أبا فراس لمعاونتهم فلما نزل بهم انكشفت بنو كعب وتنحت بنو كلاب.
وهو خليفته على بلاد الشام عند غيبة سيف الدولة عنها لما يعلم من كفاءته ونصحه وقيامه بحفظ الثغر ولم يكن ليثق في ذلك بأحد غيره من عشيرته ولا غيرهم وقع ذلك عدة مرات تقدمت الإشارة إليها (ومنها) لما سار سيف الدولة لبناء عين زربة وحصونها. قال ابن خالويه سار الأمير سيف الدولة سنة 351 إلى الثغور الشامية لبناء عين زربة وحصونها واستخلف على الشام الأمير أبا فراس فسار نقفور بن بردس ملك الروم في جمع النصرانية إلى الشام فلقيه الأمير أبو فراس في ألف فارس من العرب فوقع بينهم ست وقائع في كلهن يظهره الله حتى دخل دلوك ولم يتجاوزها وفي ذلك يقول أبو فراس من قصيدة يخاطب بها الدمستق:
واني إذ نزلت على دلوك * تركتك غير متصل النظام ولما ان عقدت صليب رأيي * تحلل عقد رأيك في المقام وكنت ترى الأناة وتدعيها * فأعجلك الطعان عن الكلام وبث مؤرقا من غير سقم * حمى جفنيك طيب النوم حامي ولكن ذلك لم يمنعه من أن يرى غاية النعمة ان يكون غلاما لسيف الدولة فكيف به وهو نسيبه وابن عمه فقال:
وقد أصبحت منتسبا اليه * وحسبي ان أكون له غلاما ويقول له أيضا:
ان تقدمت فحاجب * أو تأخرت فكاتب أو تسايرنا جميعا * فكلا الحالين واجب ويقول لسيف الدولة أيضا:
وأنت أريتني خوض المنايا * وصبري تحت هبوات النزال فصبري في قتالك لا قتالي * وفعلي في فعالك لا فعالي وفي أرضاك إغضاب العوالي * واكراه المناصل والنصال وكتب إلى سيف الدولة في علة وجدها:
وعلة لم تدع قلبا بلا ألم * سرت إلى ذروة العليا وغاربها هل تقبل النفس عن نفس فافديه * الله يعلم ما تغلو علي بها لئن وهبتك نفسا لا نظير لها * فما سمحت بها الا لواهبها وكتب اليه كما في اليتيمة:
وما لي لا اثني عليك وطالما * وفيت بعهدي والوفاء قليل وأوعدتني حتى إذا ما ملكتني * صفحت وصفح المالكين جميل وكذلك لم يمنع سيف الدولة كون أبي فراس تابعا له وناشئا في حجره بمنزلة الابن من أن يعبر عنه بكلمة (سيدي) في احدى المناسبات الأدبية.
وفي هذا دلالة لا تخفى على سمو اخلاق الأميرين ومنزلة كل منهما عند الاخر لذلك ليس غريبا ان يخاطب أبو فراس ابن عمه في موضع آخر مخاطبة الند للند ويجعل مفاخر بني حمدان وطولهم به كما بسيف الدولة فيقول:
بنا وبكم يا سيف دولة هاشم * تطول بنو أعمامنا وتفاخر فإذا وإياكم ذراها وهامها * إذ الناس أعناق لها وكراكر ويقول:
ولو لم يكن فخري وفخرك واحدا * لما سار عني بالمدائح سائر وان يطلب في احدى قصائده من سيف الدولة الفداء ويتضرع اليه ثم يقول:
فلا وأبي ما ساعدان كساعد * ولا وأبي ما سيدان كسيد فجعل لنفسه من السيادة وغيرها مثل ما لسيف الدولة وكذلك ليس غريبا ان يعود بعد هذا مخاطبا له خطاب التابع للمتبوع فيقول:
وانك للمولى الذي بك اقتدي * وانك للمولى الذي بك اهتدي وأنت الذي علمتني طرق العلا * وأنت الذي أهديتني كل مقصد وان ينحو هذا النحو في موضع آخر فيقول:
ولما ثار سيف الدين ثرنا * كما هيجت آسادا غضابا أسنته إذا لاقى طعانا * صوارمه إذا لاقى ضرابا صنائع فاق صانعها ففاقت * وغرس طاب غارسه فطابا وكنا كالسهام إذا أصابت * مراميها فراميها أصابا ومن اخباره مع سيف الدولة ما ذكره الثعالبي في اليتيمة في ترجمة سيف الدولة قال: كان أبو فراس يوما بين يديه في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة أيكم يجيز قولي وليس له الا سيدي يعني أبا فراس:
لك جسمي تعله * فدمي لم تحله فارتجل أبو فراس وقال:
انا ان كنت مالكا * فلي الامر كله فاستحسنه وأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألف دينار اه.
وفي اليتيمة: حكى ابن خالويه قال كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج (كتابي أطال الله بقاء مولانا الأمير سيف الدولة من المنزل وقد وردته ورود السالم الغانم مثقل الظهر والظهر (1) وفرا وشكرا) فاستحسن سيف الدولة بلاغته في ذلك ووصف براعته وبلغ أبا فراس ذلك فكتب اليه:
هل للفصاحة والسماحة * والعلا عني محيد إذ أنت سيدي الذي * ربيتني وأبي سعيد في كل يوم استفيد * من العلاء واستزيد