قال السيد صالح الشهرستاني فيما كتبه في مجلة العرفان ج 24: لا يزال يوجد في أسدآباد من أفراد قبيلة وأولاد وأعمام وعمات واخوان وأخوات السيد جمال الدين ما ينيف على الخمسين نسمة بين ذكر وأنثى ومنهم أحد أحفاد أخي السيد جمال الدين وهو السيد محمود ابن السيد كمال ابن السيد مسيح المتوفي عام 1300 أخي السيد جمال الدين ابن السيد صفدر. وهو مدرس مدرسة القرية عام 1351 قال ولا تزال الغرفة التي ولد فيها السيد جمال الدين في دار والده الواقعة في محلة (سيدان) اي السادات على حالها حتى اليوم، وتعرف أسدآباد عند أهل القرى المجاورة بقرية السيد جمال الدين. وقال: ان السيد محمود المذكور أهداه نسخة من كتاب فارسي فيه تاريخ حياة السيد جمال الدين منذ ولادته حتى وفاته بقلم ابن أخت السيد جمال الدين الميرزا لطف الله الأسدآبادي، وأمه هي السيدة طيبة بيگم بنت السيد صفدر أخت جمال الدين وهو صاحب المذكرات عن خاله المذكور بالفارسية المطبوعة في برلين اه.
وكل ما بني على كونه أفغانيا من دخوله في سلك رجال الحكومة الأفغانية وحضوره بعض حروبها وميله إلى بعض أمرائها وحلوله عند محل الوزير وإرادة بعضهم الغدر به وخروجه منها بحجة الحج كله لا أصل له أريد به تكميل القصة المخترعة تمهيدا لكيفية وصوله إلى مصر وغيرها وبيانا لسببها المخترع ولعله كان لا يحب ان يظهر انه منفي من قبل شاه إيران أو كان يريد ان يبالغ في تحقيق أفغانيته التي البس نفسه إياها، ومذهبه شيعي كما هو مذهب آبائه وأجداده وعشيرته وأهل بلده، حنيفي جعفري لا حنفي، فانظر إلى هذا الأمر الذي اشتهر وشاع بين الناس في كل صقع وقطر ودون في الكتب المطبوعة التي طبع منها الألوف وانتشرت في أقطار الدنيا في عصر المترجم وليس له أصل، تعلم صدق القول بأنه رب مشهور لا أصل له مع كون رب للتكثير لا للتقليل، هذا في امر لا أهمية له فما ظنك بما يكون له نصيب مما يسمونه السياسة والملك ونصرة العقيدة والنحلة وأمثال ذلك. ولعلها إذا مضت مدة طويلة يصبح كونه إيرانيا أو أفغانيا من الأمور المختلف فيها وينتصر لكل فريق.
ولا ندري هل كان الشيخ محمد عبده يعرف حقيقة حاله ويخفيها لخوفه مما خاف منه جمال الدين بصحبته له واخذه عنه أو كان يجهلها، الله اعلم. وفي كتاب حاضر العالم الاسلامي تأليف (لوتروت ستودارد) الأميركي وتعريب عجاج نويهض ج 11 ص 135 ان السيد جمال الدين ولد في (أسدآباد) بالقرب من همذان في بلاد فارس وهو أفغاني الأرومة لا فارسي ينحدر نسبا - كما يدل عليه لقبه هذا - من العترة النبوية الطاهرة ويجري في عروقه الدم العربي البحت الكريم اه.
فتراه قد نطق بالصواب من كونه ولد في بلاد إيران في أسدآباد بالقرب من همذان وجمع بين ذلك وبين كونه أفغانيا كما يدل عليه لقبه بأن أصل آبائه من الأفغان والذي دعاه إلى ذلك اعتقاده ان هذا اللقب لقب صحيح. اما بعد ما عرفت عدم صحة هذا اللقب فتعرف فساد هذا الجمع.
وقال الأمير شكيب أرسلان فيما علقه على كتاب حاضر العالم الاسلامي: ان كل من عرفوا السيد جمال الدين علموا منه انه من أفغانستان، وانه من سادات كنر الحسينية المشهورين في تلك الديار ووالده السيد صفتر وكان مولده في أسدآباد بقرب كنر سنة 1254 هجرية وفق 1838 ميلادية وكذلك عرف به كبير تلاميذه الأستاذ الامام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في صدر رسالة رد الدهريين تأليف السيد جمال الدين. ولقد لقيت في المدينة المنورة قبل الحرب العامة بأشهر السيد حسينا أحد ولاة أفغانستان، ومن سادات كنر المشار إليهم ومن أفاضلهم وعلمت منه ان السيد جمال الدين رحمه الله هو منهم، كما اني سمعت ذلك من جميع رجال الدولة الأفغانية وسفرائها الذين جمعتنا بهم التقادير في أوروبا بعد تأسيس سفاراتهم بها، فلا اعلم كيف تتفق كل هذه الروايات من أهل تلك الديار على كون المترجم أفغاني الدار علويا حسينيا من أسرة نسبتهم كالشمس ومقامهم في بلاد الأفغان أشهر من أن ينوه به، ويكون في الحقيقة من همذان ومولودا بها اه (ونقول) هكذا ينشأ من الأخبار التي لا صحة لها إذا جمعت مع الأخبار الصحيحة تناقضات يعجز الافهام توجيهها أو توجه بتوجيهات باردة فاسدة وشواهد ذلك كثيرة للمتتبع لو أمكنتنا الفرصة لأشرنا إلى جملة منها. اما ما ذكره الأمير شكيب من أنه علم من السيد حسين أحد ولاة أفغانستان ومن سادات كنر ان السيد جمال الدين منهم وأنه سمع ذلك من جميع رجال الدولة الأفغانية وسفرائها في أوروبا فيشبه خبر (كذبت سمعي وبصري وصدقت القرآن) والظاهر أن هؤلاء الجماعة أرادوا الافتخار بانتساب السيد جمال الدين إلى بلادهم فصدقوه بدون علم ولم يشاؤوا ان يتبروا من هذه المنقبة مع عدم جزمهم بفسادها لجهلهم حقيقة الحال.
أقوال المترجمين فيه كان السيد جمال الدين ذكيا متوقد الذكاء فصيح الكلام بليغه عالي الهمة قليل النوم كثير التفكير سريع البديهة حسن الاخلاق يتقن اللغات العربية والفارسية والإنكليزية وآدابها وقليلا من التركية والفرنسية، له جاذبية لكل من حادثه وجالسه، ميالا بطبعه إلى الحركة ومعارضة الحكام والدعوة إلى الاصلاح وترك القديم جريئا. ويكشف عن بعض نفسيته، تلونه في لباسه فقد رأينا صورته في مجلة العرفان تارة بالعمامة الإيرانية السوداء الكبيرة والعباءة وأخرى بالكفية - أو الكوفية - والعقال اللف وثالثة بالعمامة البيضاء والطربوش والجبة ورابعة بالطربوش بدون عمامة.
وقال السيد صالح الشهرستاني فيما كتبه في مجلة العرفان ولعله أخذه من الكتاب الفارسي الذي قال إن فيه ترجمته: ان السيد صفدر والد السيد جمال الدين جاء إلى طهران مع ولده جمال الدين أوائل عام 1266 وبعدما مكثا فيها ما يزيد على خمسة أشهر سافرا إلى العراق ودخلا النجف في عصر الشيخ مرتضى الأنصاري فاعتنى الأنصاري بجمال الدين وبقي السيد صفدر في النجف مدة شهرين ثم عاد إلى أسدآباد وبقي جمال الدين في النجف اربع سنوات درس في السنتين الأوليتين منها العلوم الأولية والمتوسطة من دينية وعربية وفي السنتين الأخيرتين العلوم العالية من التفسير والحديث والفقه والأصول والكلام والمنطق والحكمة الإلهية والرياضيات والطبيعيات ومقدمات الطب والتشريح والهيئة والنجوم وغيرها اه والذي يعرفه المتأمل ان من أراد ان يدرس كل هذه العلوم في ضمن اربع سنوات يكون قد أضاع الأربع السنوات من عمره مهما بلغ في الذكاء والفطنة والذي نظنه انه قرأ في هذه المدة العلوم العربية والمنطق وشيئا من الكلام والهيئة. والرجل