المتصرمة، وأما على الثاني فلا بد من أن يكون الحكم دائرا مدارها في الحدوث فقط، بمعنى كونها علة لثبوت الحكم لا لبقائه، وذلك كوجوب الجلد في الزاني، والقطع في السارق، فإن الزنا والسرقة أمران يوجدان وينصرمان فورا، ولا يمكن أن يكون الجلد والقطع بشرائطهما الشرعية دائرين مدارهما في البقاء فإن كلا منهما يتوقف على مقدمات كثيرة، ومنها ثبوت السرقة والزنا عند الحاكم بالبينة الشرعية مثلا.
لا أقول: إن المشتق يحمل حقيقة بلحاظ زمن الانقضاء أيضا، بل أقول:
إن حمله بلحاظ حال التلبس فقط، ولكن الحكم ليس دائرا مداره حدوثا وبقاء، بل هو دخيل في الحدوث فقط. ومن هذا القبيل أيضا المحرومية من الإمامة في قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين)، فإن أكثر أفراد الظلم كفعل أكثر المحرمات مما يحدث وينصرم، فلا معنى لدوران المحرومية من الإمامة مداره حدوثا وبقاء، وبعض أفراده وإن كان مما لا يتصرم كالشرك مثلا، ولكن كلمة الظالمين جمع محلى باللام، فتدل الآية الشريفة على محرومية كل من صدق عليه هذا العنوان بأي جهة كانت، فيشمل كل من ارتكب مظلمة من المظالم الثابتة أو المتصرمة، وحيث إن المتصرمة منها علة لحدوث المحرومية من دون أن تكون في بقائها دائرة مدارها، كما عرفت وجهه، فالثابتة منها أيضا كذلك بطريق أولى، ومما يدل على كون اللام في المقام للاستغراق لا للعهد أن العهد إنما يتمشى احتماله فيما إذا كان الاخبار بما وقع في الحال أو المضي، وفيما نحن فيه ليس كذلك، فإن المخاطب بهذا الكلام هو إبراهيم الخليل عليه السلام، و قد خوطب به قبل أن يوجد الظالمون من ذريته ويرتكبوا المظالم، فيكون ظاهر الآية محرومية كل من يوجد، ويصدق عليه هذا العنوان.
و يؤيد ذلك عظم قدر الإمامة وجلالته، بحيث لا يناسب أن تبذل لمن صدر عنه الظلم ولو قبل تقمصه بها.
تبصرة:
مما تدل عليه الآية الشريفة هو أن الإمامة من المناصب المفاضة من قبل الله تعالى، وأن تعيين الامام بيده. والدال على هذه المعنى موارد من الآية الشريفة: من ذلك قوله في صدرها (إني جاعلك للناس إماما)، حيث دل على أن الجاعل والمعين لمستحقها هو الله (الله أعلم حيث يجعل رسالته). ومن ذلك أيضا كلمة (عهدي) الدالة على أن الإمامة عهد وميثاق بين الله وبين أحد