وملاكه في زمن الانطباق، إلا أن الحيثية على قول الأخصي مبدأ المشتق وعلى قول الأعمى حيثية اعتبارية تعتبر في الموضوع في جميع الأزمنة بعد تلبسه بالمبدأ آنا ما، والظاهر أن مراد الأعمى هو الثاني، و لا يظن به كون مراده ما ذكرناه من الاحتمال الأول، لما ذكرناه آنفا: من أن صدق المفهوم على موجود يتوقف على وجود حيثية في هذا الموجود بها يصدق عليه، وإلا لزم صدق كل عنوان على كل شي، أو الترجح من غير مرجح.
المقدمة الثالثة: المبدأ الذي يكون وجوده مدارا لانطباق المفهوم على المصداق، اما حدوثا فقط وإما حدوثا وبقاء، أعم من أن يكون أمرا حقيقيا متأصلا (كالبياض) مثلا، أو انتزاعيا أو اعتباريا موجودا بوجود منشأ انتزاعه أو اعتباره، (كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية و كالملكية والزوجية).
ثم إن بعض الأمور الانتزاعية مما ينتزع قبل وجود منشأ انتزاعه، كالاستقبال مثلا، فإنه ينتزع قبل وجود منشأ انتزاعه، وهو مجئ المسافر. وبعضها مما لا ينتزع إلا بعد وجود منشئه، ثم منه ما يفنى بفنائه فلا ينتزع بعده، كالفوقية، فإنها تلازم ذات الفوق حدوثا و بقاء، ومنه ما يبقى وينتزع بعد فنأ المنشأ أيضا، كالأبوة، فإنها تنتزع بعد فوات الابن أيضا.
المقدمة الرابعة: هي ما ذكرناه في المقدمة الثانية جوابا عن الاشكال، و محصله: أنه يحتمل أن يكون مراد الأعمى أن وجود المبدأ وحيثية الصدق في زمان كاف في انطباق عنوان المشتق على الموجود الخارجي في هذا الزمان وبعده إلى الأبد، من دون اعتبار حيثية اعتبارية باقية بعد زوال التلبس بالمبدأ. ويحتمل أن يكون مراده أن المبدأ بعد تحققه آنا ما يصير منشأ لانتزاع حيثية انتزاعية اعتبارية باقية إلى الأبد، وباعتبارها يصدق العنوان على المصداق لا باعتبار نفس المبدأ.
فإن كان مراده الأول كان البحث عقليا غير راجع إلى اللغة وعالم الألفاظ. وقد عرفت أن المظنون عدم كون هذا مرادا له، إذ لازمه صدق المفهوم على المصداق من دون وجود حيثية الصدق، أعني المصداق بالذات وهو باطل بالضرورة، على أنه لا يجوز له على هذا الاحتمال، الاستدلال على مختاره بالتبادر، وعدم صحة السلب، و نحوهما مما يرجع إليه في تعيين حقائق الألفاظ ومجازاتها، لما عرفت من كون البحث على هذا عقليا.
وإن كان مراده الثاني فالبحث لغوي راجع إلى البحث في أن ألفاظ المشتقات هل تكون موضوعة لان تستعمل في المتلبس بمبدئها باعتبار نفس المبدأ حتى لا تستعمل فيه بعد انقضائه، أو باعتبار حيثية اعتبارية باقية بعد انقضاء المبدأ أيضا، فيجوز تطبيقها عليه بعده أيضا؟ وعلى هذا يجوز للأعمى أن يستدل لاثبات مطلوبه بعلائم الحقيقة والمجاز.