واما الحجية [1] فالظاهر أنها غير قابلة للجعل وان أصر على ذلك، المحقق الخراساني وجعل من آثارها تنجز الواقع في صورة الإصابة والمعذورية في صورة الخطأ، بداهة ان ما جعله من آثارها هي عينها، وتنجز الواقع والمعذورية لا تنالهما يد الجعل، بل المجعول لا بد وأن يكون امرا يترتب عليه هذان الاثران كالبعث الطريقي مثلا. و قياسه (قده) حجية الامارات على الحجية الثابتة للقطع في غير محله إذ القطع عبارة أخرى عن رؤية الواقع، وتنجزه وصحة العقوبة على مخالفته بعد رؤيته امر لا ريب فيه وهذا بخلاف باب الامارات لعدم انكشاف الواقع فيها.
ولا يتوهم اشتراكها معه في كون كل منهما مرآة للواقع، ضرورة ان تعبير المرآتية في باب القطع من الاغلاط لما أشرنا إليه من أن القطع ليس شيئا تترتب عليه رؤية الواقع بل هو نفس رؤية الذهن للواقع واطلاعه عليه وهذا المعنى غير متحقق في الامارات، فافهم.
واما الطريقية ونحوها، فوزانها أيضا وزان الحجية في عدم قابليتها بنفسها للجعل، بداهة عدم كونها من الأمور الاعتبارية والذي تناله يد الجعل عبارة عن أمور عقلائية متحققة في عالم الاعتبار بحسب اعتبارات العقلا.
وبالجملة، فان أريد بالطريقية في باب الامارات، إيصالها إلى الواقع أحيانا، فهو امر تكويني لا يحتاج تحققه إلى الجعل، وان أريد امر اخر فلا نتعقله. والذي يسهل الخطب ان النزاع في بيان المجعول و إتعاب النفس في تعيينه، انما يصح فيما إذا كان هناك جعل في البين، مع أنه ليس في باب الامارات جعل من قبل الشارع أصلا، وانما هي طريق عقلائية دائرة بينهم في مقام الاحتجاج واللجاج، غاية الأمر عدم ردع الشارع عنها بحيث يكشف ذلك عن إمضائه ورضايته، و ليس للعقلاء أيضا في هذا الباب جعل لاحد هذه الأمور من الطريقية ونظائرها، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى مبحث حجية الظواهر، فراجع.
التذنيب الثاني: بيان المراد مما ذكر في الجمع بين الحكمين لعلك توهمت مما ذكرناه أخيرا في بيان الجمع بين الحكمين، ان المقصود بيان فعلية الحكم الواقعي وإن كان الحكم الظاهري مخالفا له، أو كان العبد جاهلا بكلا الحكمين، فنقول لدفع هذا التوهم: ان ما ذكرناه آنفا، هو ان إرادة المولى لصدور الفعل من العبد التي هي روح الحكم إذا كانت باقية [1] قد مر منا في ذيل مبحث الاجزاء بيان مفصل في عدم كون الحجية أو الطريقية أو نحوهما من الأمور القابلة للجعل فراجع ح - ع - م.