لم يوضع لفظ (هذا) أولا بإزاء نفس المشار إليه كما لم يوضع بإزاء نفس مفهوم الإشارة حتى يستعمل فيها استعمالا إفهاميا، بل وضع لحقيقة الإشارة حتى يستعمل فيها استعمالا إيجاديا، غاية الأمر ان هذا المعنى الايجادي فان في المشار إليه فتترتب على هذا اللفظ أحكام المشار إليه ومثل ذلك، الضمائر أيضا فإنها أيضا وضعت لان توجد بها حقيقة الإشارة، غاية الأمر، انها وضعت للإشارة إلى الألفاظ السابقة الذكر، وكذلك الموصولات فإنها أيضا وضعت لان يشار بها إلى أمور متعينة بتعين الصلة.
وبالجملة فأسماء الإشارة والضمائر والموصولات، كلها من واد واحد وقد وضعت لان يشار بها إلى أمور متعينة، اما خارجيا، واما ذكريا، واما وصفيا كما في الموصولات، فإنها وضعت لان يشار بها إلى ما تصدق عليه الصلة، ولاجل ذلك يستفاد من الموصول العموم إذا كانت صلته قابلة للانطباق على جميع ما يمكن ان يتصف بمضمونها وقد مر بيان ذلك في مباحث المطلق والمقيد أيضا فراجع. هذا كله فيما يتعلق بالقسم الأول.
واما القسم الثاني أعني المعنى الذي كان عمل اللفظ فيه عملا إفهاميا، بان أريد من اللفظ إفهامه للمخاطب فهو على ثلاثة أقسام فان المعنى الافهامي، اما ان يكون من المفاهيم المستقلة، واما ان يكون من المفاهيم الاندكاكية.
اما الأول: فكمفهوم الضرب والرجل ونحوهما من المفاهيم المستقلة التي وضع بإزائها الأسماء ولا محالة يكون عمل اللفظ فيها عملا إفهاميا تصوريا، بمعنى ان مقصود المتكلم من ذكر اللفظ هو افهام معناه للمخاطب حتى يفهمه بنحو التصور.
واما الثاني: فكالمعاني الحرفية والنسب الإضافية والايقاعية وهي على قسمين: فان عمل اللفظ في المفهوم الاندكاكي، اما ان يكون بنحو الافهام التصوري واما ان يكون بنحو الافهام التصديقي، بمعنى ان المتكلم، اما ان يريد باستعماله افهام هذا المعنى للمخاطب حتى يتصوره لا بنحو الاستقلال بل بنحو الفناء في غيره، واما ان يريد باستعماله، إفهامه للمخاطب حتى يصدق بوقوعه.
فالأول كالمعاني الحرفية التي يتحقق بسببها، الارتباط بين المعاني الاسمية من دون ان يكون متعلقا للتصديق، وذلك كحقيقة (الابتدائية) الموجبة لارتباط السير (بالبصرة) وحقيقة (الانتهائية) التي يرتبط بها السير (بالكوفة)، وكحقيقة النسبة الإضافية الموجودة في مثل (سيري) و (سير زيد) ونحوهما. والثاني كالنسبة الموجودة بين الفعل وفاعله والمبتدأ وخبره