للتناقض، لان المعنى الموضوع له مقيد بالوحدة، فمرجع الاستعمال في المعنيين استعماله في هذا وحده وذاك وحده وهما معا. أما الأول فواضح، وأما الثاني فلان المفروض استعماله في الأكثر من معنى واحد.
أقول: هل المراد بالوحدة هو الوحدة بحسب الماهية أو بحسب الوجود أو بحسب مقام الاستعمال، فان أريد الأول بمعنى كون المعنى الموضوع له ماهية واحدة لا ماهيتين ففيه: أن ذلك أمر صحيح ولا يلزم منه تناقض كما لا يخفى. وإن أريد الثاني فيرد عليه: أن الوجود ليس مأخوذا في المعنى الموضوع له، إذ اللفظ يوضع بإزاء نفس المفهوم فلا يلحظ الوجود فضلا عن وحدته وتعدده.
وإن أريد الثالث فيرد عليه: أن نحو الاستعمال غير مأخوذ في الموضوع له، فإنه أمر مترتب على الوضع ومتأخر عنه رتبة، إذ هو عبارة عن إفناء اللفظ في معناه، وقبل الوضع لا معنى له.
واستدل في الكفاية على الامتناع العقلي بما حاصله بتوضيح منا: أن حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، بل هو عبارة عن جعل اللفظ وجها وعنوانا للمعنى، بل بوجه نفسه بحيث كأنه هو الملقى فيكون اللفظ مرأة للمعنى وفانيا فيه، فيكون النظر إلى نفس المعنى، واللفظ يكون مغفولا عنه، نظير التوجه إلى المرأة، فإن المرآة ربما ينظر إليها بالنظر الاستقلالي، فترى شيئا بحيالها، فتكون مما ينظر فيها لتشخيص جنسها وتميز عيوبها لتشترى مثلا، وربما ينظر إليها بالنظر المرآتي، فتكون في هذا اللحاظ مما ينظر بها إلى الصورة وتكون نفسها مغفولا عنها في هذا اللحاظ. و على هذا فلا يعقل استعمال اللفظ إلا في معنى واحد، ضرورة أن لحاظه فانيا في معنى بحيث يكون التوجه إلى نفس المعنى ينافي لحاظه كذلك بالنسبة إلى معنى آخر مع وحدة اللفظ والاستعمال.
وبالجملة: فالاستعمال عبارة عن طلب عمل اللفظ في المعنى. وكيف يمكن أن يكون اللفظ حال كونه عاملا في هذا المعنى وفانيا فيه، عاملا في معنى آخر (انتهى).
أقول: قد عرفت سابقا أن عمل اللفظ في المعنى قد يكون إفهاميا، و قد يكون إيجاديا، والأول على ثلاثة أقسام والثاني على قسمين، فالمجموع خمسة. ولا يخفى أن ما ذكره (قدس سره) يجري في بعض الاقسام، لكن جريانه في جميع الاقسام ولا سيما الايجادي منها مشكل فتدبر.