فالتكليف قبل تعلق العلم به فعلي ليس لتنجزه حالة منتظرة، سوى علم العبد، ونعبر عنه بالفعلي قبل التنجز، فإذا علم به العبد صار فعليا منجزا، واستحق بتركه العقوبة، فيكون العقاب على التكليف بعد فعليته وتماميته من ناحية المولى دائرا مدار علم العبد، فيستحق العقوبة على مخالفة التكليف بمقدار حصل له العلم.
وقد عرفت أن الامر مع وحدته يتبعض بتبعض متعلقه، فإذا علم العبد بالأقل وشك في الزائد كان ترك الواجب المستند إلى ترك الأقل موجبا للعقوبة، وتركه المستند إلى ترك الجز المشكوك فيه غير موجب لها، فيكون التكليف بعد فرض فعليته منجزا بنحو الاطلاق إن كان بحسب متن الواقع متعلقا بالأقل، ومتوسطا في التنجز إن كان متعلقا بالأكثر، فترك الأكثر المستند إلى ترك جميع الأجزاء يوجب العقاب، وتركه المستند إلى ترك الجز المشكوك فيه لا يوجبه.
وبالجملة: فترك الأقل يوجب استحقاق العقوبة مطلقا، وإنما الذي لا يوجبه هو ترك الأكثر المستند إلى غير الأقل، والتكليف على أي حال فعلي، غاية الأمر أن تركه المستند إلى ترك الجز المشكوك فيه لا يوجب العقوبة، من جهة القصور في ناحية العبد.
فإن قلت: سلمنا أن العلم الاجمالي بالوجوب المردد بين الأقل و الأكثر ينحل إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك البدوي بالنسبة إلى الجز المشكوك فيه، لكنا نقول: إن الاشتغال اليقيني بالأقل يقتضي البراءة اليقينية منه، والمفروض أن الأقل يتردد أمره بين كونه تمام المطلوب، وبين كونه واجبا في ضمن الأكثر، وعلى الثاني تتوقف صحته على إتيان الأكثر، فان المفروض كون الأقل والأكثر ارتباطيين، فالاتيان بالجز المشكوك فيه دخيل في صحة الأقل على فرض كون الواجب بحسب متن الواقع هو الأكثر.
والحاصل: أنا نسلم انحلال العلم الاجمالي في مقام إثبات التكليف و ارتفاع العقاب من ناحية الجز الزائد، ولكن نقول: إن الاشتغال اليقيني بالأقل يقتضي قهرا الاتيان بالجز المشكوك فيه، حتى يحصل الفراغ اليقيني من ناحية الأقل.
قلت: هذه هي عمدة ما استدل به القائل بالاشتغال، ويرد عليه أنه إن كان المراد أن العلم بترتب الغرض على الأقل يتوقف على الاتيان بالأكثر، ففيه: أن تحصيل الغرض الذي لم تقم عليه حجة شرعية غير لازم، والمفروض عدم قيام الحجة على وجوب الأكثر.
وإن كان المراد أن إتيان الأقل وامتثال أمره مشروط بإتيان الأكثر، ففيه: