باستعماله إلقاء المعنى الاندكاكي إلى المخاطب ليتصوره بنحو الاندكاك في الطرفين وإما أن يكون بنحو الاعلام التصديقي بأن يريد باستعماله إلقائه إليه ليصدق بوقوعه.
فالصنف الأول كالمعاني الحرفية، التي يتحقق بسببها الارتباط بين المعاني الاسمية من دون أن تكون متعلقة للتصديق، كالربط الابتدائي الرابط بين السير والبصرة، والربط الانتهائي الرابط بين السير والكوفة، وكالنسبة الإضافية غير التامة المتحققة بين المضاف والمضاف إليه في نحو (سيري) و (سير زيد) مثلا.
والصنف الثاني كالنسبة التامة المتحققة بين الفعل وفاعله، وبين المبتدأ والخبر، فإنها معنى اندكاكي وضع بإزائه هيئة الجملة، و يكون المقصود من إلقائه إلى المخاطب أن يصدق بوقوعه.
وأما القسم الثاني أعني المعنى الذي كان عمل اللفظ فيه عملا إيجاديا، بحيث جعل آلة لايجاده، فهو أيضا على نوعين: الأول ما لا يكون معنى فانيا مندكا في غيره، وهذا مثل الطلب الموجد بمثل (اضرب) مثلا، أو (أطلب منك الضرب) أو (تضرب) إذا استعملا بقصد الانشاء، ومثل جميع مضامين العقود والايقاعات الموجدة بسبب صيغها في عالم الاعتبار. الثاني ما يكون فانيا في غيره، فيكون الموجد بسبب اللفظ معنى اندكاكيا، وهذا مثل حقيقة الإشارة التي توجد بأسماء الإشارة والضمائر والموصولات، فان التحقيق كون جميع المبهمات من واد واحد، وقد وضعت لان توجد بها الإشارة فيكون الموضوع له فيها نفس حيثية الإشارة، التي هي معنى اندكاكي وامتداد موهوم متوسط بين المشير والمشار إليه، ويكون عمل اللفظ فيها عملا إنشائيا، فقولك (هذا) بمنزلة توجيه الإصبع، الذي توجد به الإشارة، و يكون آلة لايجادها.
وما قيل: من كون كلمة (هذا) موضوعة للمفرد المذكر المشار إليه فاسد جدا، بداهة عدم وضعها لمفهوم المشار إليه، ولم يوضع لذات المشار إليه الخارجي الواقع في طرف الامتداد الموهوم أيضا، إذ ليس لنا - مع قطع النظر عن كلمة (هذا) - إشارة في البين، حتى يصير المفرد المذكر مشارا إليه، ويستعمل فيه كلمة (هذا).
وبالجملة: لفظة (هذا) مثلا وضعت لنفس الإشارة، ويكون عمل اللفظ فيها عملا إيجاديا، ولم توضع للمشار إليه، كما قيل. وقد أشار إلى ما ذكرنا في الألفية حيث قال: بذا لمفرد مذكر أشر) إلى آخر ما قال.
نعم لما كانت حقيقة الإشارة أمرا اندكاكيا فانيا في المشار إليه، فلا محالة ينتقل الذهن من