كلمة (هذا) إلى المشار إليه، ويترتب على هذا اللفظ أحكام اللفظ الموضوع للمشار إليه، فيجعل مبتدأ مثلا، وتحمل عليه أحكام المشار إليه، فيقال: (هذا قائم) كما يقال: (زيد قائم).
ونظير ذلك، الضمائر والموصولات، فيشار بضمير المتكلم إلى نفس المتكلم، وبضمير المخاطب إلى المخاطب، وبضمير الغائب إلى المرجع المتقدم ذكره حقيقة أو حكما، فيوجد بسببها في وعاء الاعتبار امتداد موهوم بين المتكلم وبين نفسه أو المخاطب أو ما تقدم ذكره، ويشار بالموصول أيضا إلى ما هو معروض الصلة.
والحاصل: أن جميع المبهمات قد وضعت بإزاء الإشارة، لتوجد بسببها الإشارة إلى أمور متعينة في حد ذاتها، إما تعينا خارجيا كما في الأغلب، أو ذكريا كما في ضمير الغائب، أو وصفيا كما في الموصولات، حيث إنه يشار بها إلى ما يصدق عليه مضمون الصلة، و لأجل ذلك يستفاد من الموصولات العموم بتبع عموم الصلة، فهذه هي أنواع الألفاظ المستعملة في المعاني.
وقد عرفت أن بعض الحيثيات يرجع إلى الاختلاف الذاتي بين المفاهيم: كحيثية الالية والاستقلالية، حيث إن المعاني كانت على سنخين، والواضع كما لاحظ المفاهيم المستقلة، ووضع بإزائها نبذا من الألفاظ، كذلك لاحظ المعاني الربطية ووضع لها قسمة من الألفاظ و الهيئات، وبعض الحيثيات يرجع إلى نحو الاستعمال كحيثية الافهامية والانشائية والتصورية والتصديقية، فإن هذه الحيثيات ليست مأخوذة في الموضوع له، وإنما هي أنحاء عمل اللفظ في المعنى، و قد لاحظها الواضع حين وضعه من جهة أن وضعه كان لرفع الحوائج، و كان يلاحظ حين الوضع أن الناس ربما يحتاجون إلى إفهام المعنى، و ربما يحتاجون إلى إيجاده، والافهام ربما يكون بداعي التصور، وربما يكون بداعي التصديق، فلا محالة كان عليه أن يوسع دائرة الوضع، ويضع بعض الألفاظ لبعض المعاني، حتى يستعمل فيها بنحو الايجاد، وبعضها لمعان أخر حتى يستعمل فيها بنحو الافهام: إفهاما تصوريا أو تصديقيا كما مر تفصيله.
فلفظة (هذا) مثلا لم توضع بإزاء إيجاد الإشارة، بل الموضوع له نفس حيثية الإشارة، وحيثية الايجاد إنما جاءت من قبل الاستعمال، لكنها ملحوظة حين الوضع. وكذلك هيئة الفعل أو الجملة مثلا لم توضع بإزاء التصديق بوقوع النسبة، بل وضعت بإزاء نفس النسبة، غاية الأمر أنها وضعت لها لتستعمل فيها استعمالا إفهاميا تصديقيا، كما أن هيئة الإضافة وضعت لها لتستعمل فيها استعمالا إفهاميا تصوريا.
وبذلك يعلم الفرق بين قولنا: صدر الضرب من زيد، وقولنا: صدور الضرب من زيد مثلا، فافهم