توجد بوسيلته أصوات موزونة، يخالف بعضها بعضا، بحيث تتولد منه الحروف أولا، وتتولد منها الكلمات، بسبب التركيب ثانيا. فلأجل ذلك اختار البشر هذا الامر الطبيعي وجعله وسيلة لافهام مقاصده، بالوضع والمواضعة. وحيث إن الوضع كان لرفع الاحتياجات، و كانت الحوائج مختلفة والمقاصد متفاوتة، فلا محالة لاحظ الواضع حين وضعه أنواع المقاصد وأصناف المفاهيم والأنحاء المتصورة لالقائها وإفهامها، ثم وضع الألفاظ بمقدار تنسد به جميع طرق الحاجة.
وبالجملة: فالواضع حين الوضع لاحظ أنواع احتياجات المتكلمين، فرأى أنهم ربما يحتاجون إلى إلقاء المفاهيم المستقلة المتشتتة في حد ذاتها، وربما يحتاجون إلى إلقاء المعاني الربطية الاندكاكية، وأنهم قد يقصدون إعلام المعنى وإفهامه بوسيلة اللفظ، وقد يقصدون إيجاده بوسيلته، وفي إعلام المعاني الربطية ربما يكون داعيهم إلى إعلامها تصور المخاطب إياها، وقد يكون داعيهم تصديقه بوقوعها، فوسع دائرة وضعه بمقدار يفي بتلك الحوائج.
وزبدة أقسام اللفظ بحسب أنواع المعاني وأنحاء الاستعمالات المتصورة خمسة أقسام.
بيان ذلك: أن استعمال المتكلم للفظ وطلبه عمل اللفظ في المعنى:
تارة يكون بنحو الاعلام والافهام، وهذا إنما يكون فيما إذا فرض للمعنى مع قطع النظر عن هذا الاستعمال الخاص نفس آمرية ما، فأريد باستعمال اللفظ فيه إفهام المخاطب إياه، حتى يتصوره أو يصدق بوقوعه.
وتارة يكون بنحو الايجاد، بحيث يكون صدور اللفظ عن اللافظ آلة لايجاده، وهذا إنما يتصور فيما إذا كان المعنى من الأمور الاعتبارية، التي أمر إيجادها بيد المتكلم.
أما القسم الأول، أعنى المعنى الذي كان عمل اللفظ فيه عملا إفهاميا، فهو على نوعين: إذ المعنى الافهامي إما أن يكون من المفاهيم المستقلة، وإما أن يكون من المفاهيم الربطية الاندكاكية.
أما النوع الأول فكمفهوم الرجل والضرب ونحوهما من المفاهيم المستقلة غير المرتبطة، وتسمى هذه المفاهيم بالمعاني الاسمية، و تكون الأسماء موضوعة بإزائها. ولا محالة يكون عمل اللفظ فيها عملا إفهاميا تصوريا، حيث إن مقصود المتكلم من ذكر اللفظ فيها، هو أن يفهم المخاطب معناه ويتصوره بنحو الاستقلال.
وأما النوع الثاني فكالمعاني الحرفية، والنسب الإضافية والايقاعية، و قد وضع بإزاء هذا النوع من المعاني ألفاظ الحروف والهيئات. و هذا النوع من المعاني أيضا ينقسم إلى صنفين: فإن عمل اللفظ في المفهوم الاندكاكي إما أن يكون بنحو الافهام والاعلام التصوري بأن يريد المتكلم