الجوهرية، ومن تعيناته وصف الجسمية وهكذا، ولذلك تراهم يقولون: إن موضوع العلم الإلهي بالمعنى الأعم هو الوجود، مع أن الوجود يصير محمولا في القضايا المعقودة.
وكذلك في علم النحو، فإن أول ما ينسبق إلى ذهن المتتبع لاستعمالات العرب، إنما هو إعراب آخر الكلمة، والاختلافات الواقعة فيه: من المرفوعية والمنصوبية والمجرورية فتطلب في علم النحو الخصوصيات التي بسببها يتحقق الاعراب واختلافاته من الفاعلية و المفعولية ونحوهما، فالمسألة المعقودة وإن كانت بصورة قولنا:
الفاعل مرفوع، لكن الموضوع حقيقة هو وصف المرفوعية، فحصل مسائل علم النحو هو أن ما يختلف آخره بالمرفوعية والمنصوبية و المجرورية إنما يتعين بتعينات مختلفة: من الفاعلية والمفعولية و نحوهما، وأن المعرب بالاعراب الرفعي فاعل، والمعرب بالاعراب النصبي مفعول، وهكذا.
والحاصل: أن جامع المحمولات - أعني الحيثية المشتركة بين مسائل العلم - هو الذي ينسبق إلى الذهن أولا، ويطلب في العلم جهاته و تعيناته، فهو الموضوع للعلم، والتعينات المختلفة التي يجعل كل واحد منها موضوعا لمسألة، عوارض ذاتية لموضوع العلم، لما عرفت في المقدمة الرابعة أن كل واحد من الموضوع والمحمول في المسألة عرض بالنسبة إلى الاخر، وفي المقدمة الخامسة أن ما هو الموضوع حقيقة هو المعلوم من الامرين.
فتلخص مما ذكرنا أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، أعني بها جامع محمولات المسائل، وتمايز المسائل بتمايز الموضوعات فيها.
وقد تبين لك بما ذكرناه فساد ما ربما يتوهم في المقام من أنه لم لا يجوز أن تكون الجهة المشتركة بين مسائل العلم المائزة إياها من سائر العلوم، عبارة عن الكلي الجامع لموضوعات المسائل، والجهة التي بها يمتاز كل مسألة من غيرها عبارة عن خصوصيات موضوعات المسائل، وعلى هذا فتوجد كلتا الجهتين في عقد الوضع، ويكون موضوع العلم عبارة عن الكلي الجامع لموضوعات المسائل.
توضيح الفساد: أنك قد عرفت أن موضوع العلم هو الحيثية المعلومة التي يطلب في العلم تعيناته، ويبحث فيه عن عوارضه التي تحمل عليه وليس هذا إلا ما هو الجامع للمحمولات، فإنه الحيثية المنسبقة إلى الذهن، التي يبحث في العلم عن عوارضها.
والظاهر أن ما ذكرناه هو مراد القوم أيضا، حيث أضافوا قيد الحيثية في بيان موضوع العلوم الأدبية، فقولهم: إن موضوع علم النحو هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء، وموضوع