ما نحن فيه عبارة عما إذا تحقق فعلان اختياريان توقف أحدهما على الاخر، وقد تعلق بأحدهما وجوب نفسي وبالاخر وجوب غيري، و المسببات في الافعال التوليدية، وإن كانت وجوداتها مغايرة لوجودات الأسباب، ولكن لما كان صدورها عن المكلف بعين إرادة الأسباب وإصدارها، فلا محالة لا يتصور فيها وجوبان، مثلا حركة المفتاح وإن كانت مغايرة لحركة اليد في الوجود، ولكن لما كان صدورهما عن الفاعل بإيجاد واحد لم يكن مورد لتعلق أمرين، حتى يكون أحدهما نفسيا والاخر ترشحيا [1] وإما ان يكون المراد بالفوائد المترتبة على الواجبات، الغايات التي تترتب عليها، ولكن لا مطلقا بل مع وجود مقتضيات أخر خارجة من قدرة المكلف وفقد الموانع الواقعية بحيث يكون فعل الواجب أحد الأمور الدخيلة في ترتب الفائدة المترقبة، وبعبارة أخرى: كان الغرض من إيجاب الواجب إيجاد الموقعية لترتب الفائدة، فيرد عليه حينئذ: ان القدرة على الواجب في هذا الفرض ليست قدرة على فائدته لعدم كونها بتمام علتها تحت قدرته واختياره.
وأما ثانيا: فلان ما ذكره (قده) في مقام الجواب عن أصل الاشكال: من أن الواجب في هذا القسم من الواجبات لتعنونه بعنوان حسن صار واجبا نفسيا.
يرد عليه: أن تعنونه بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله، هل يكون من جهة أن الفائدة تترتب عليه بحيث صار ترتب الفائدة علة لتعنونه بالعنوان الحسن، أو لا يكون من هذه الجهة، بل الواجب في هذا القسم من الواجبات - الذي هو أكثرها أو جميعها إلا ما ندر - بنفسه معنون بعنوان حسن، من دون أن يكون لترتب الفائدة دخل في حسنه؟ فإن كان المراد هو الأول نعترض عليه بأن هذا الامر يجري في جميع الواجبات الغيرية أيضا، فإن كل واحد منها أيضا يتعنون بالعنوان الحسن من جهة اشتماله على المصلحة المترتبة عليه، و إن كان المراد، الثاني نعترض عليه بأن هذا يوجب خلاف الفرض، فإن الفرض إنما يكون [1] أقول: هذا مخالف لما ذكره سيدنا الأستاذ العلامة (مد ظله) سابقا من أن تعدد وجود حركة اليد والمفتاح يستلزم تعدد الايجاد أيضا، إذ الوجود عين الايجاد، غاية الأمر أنه إن نسب إلى الفاعل سمي إيجادا، وإن نسب إلى القابل سمي وجودا. ثم إنه لو سلم إمكان وجود فعلين بإصدار واحد فيمكن أن يقال: إنه لا بأس بأن يكون كل من السبب والمسبب متعلقا لوجوب يخصه، غاية الأمر أن المكلف لا يقدر على تفكيكهما، بل إما أن يختار امتثالهما أو يختار مخالفتهما، و لا يشترط في اختيارية العمل أن تتعلق به إرادة مستقلة، بل الملاك في اختياريته أن يكون المكلف قادرا على كل من الفعل و الترك وهاهنا كذلك، فتأمل ح - ع - م.