الطهارة الواقعية، فحمل ما دل على اشتراط الطهارة بوجودها الواقعي على الانشائية ليس من جهة جهل المكلف به، وعدم إمكان تأثيره في نفسه وانبعاثه من قبله، فلا بد من أن يكون لجهة أخرى غير تعذر الانبعاث، ولعل هذه الجهة - فيما نحن فيه - عبارة عن تعسر الانبعاث، بتقريب أن يقال: إن الصلاة مع الطهارة الواقعية وإن كانت واجدة للملاك وصار هذا سببا لتعلق الامر بها مطلقا، ولكن لما كان تحصيل هذا الشرط مطلقا وفي جميع الموارد موجبا للعسر على المكلفين زائدا على ما تقتضيه طباع العمل صار هذا سببا لجعل الطهارة الظاهرية ورفع اليد عن ملاك الواقع لوقوع المزاحمة بينه وبين مفسدة العسر، وبعد جعلها - الظاهر في قناعة الشارع بها - يخرج الواقع من الفعلية، فما هو الموجب لحمل الواقع على الانشائية في سائر المقامات هو تعذر انبعاث المكلف من قبله، وما هو الموجب لحمله عليها في المقام هو تعسر انبعاثه من قبله، فتدبر.
فإن قلت: إذا كان إتيان الصلاة في المشكوك فيه أيضا موجبا لانطباق عنوان الواجب عليها ومقتضيا للاجزاء، فما الموجب لجعل حكمين طوليين بأن تجعل الطهارة شرطا مطلقا، ثم تنعزل عن الشرطية في حال الشك؟.
وبعبارة أخرى لم يلتزم بحكمين طوليين: واقعي وظاهري؟ بل الواجب على المولى حينئذ جعل حكم واحد بأن يجعل العلم بالنجاسة مانعا حتى تصح الصلاة المأتي بها فيما طهر واقعا وفي المشكوك فيه.
قلت: قد عرفت آنفا أنه يمكن في مقام الثبوت كون الصلاة المأتي بها مع الطهارة الواقعية واجدة للملاك، بحيث يكون للطهارة أيضا دخل فيه، فلا بد من أن ينشأ الحكم أولا وبالذات على العمل المقيد بالطهارة، غاية الأمر أنه لما كان هذا الملاك مزاحما بمفسدة العسر - في بعض الأحوال - فلا محالة أوجب هذا سقوطها من الشرطية في تلك الحال والقناعة بملاك أصل الواجب.
فإن قلت: بعد اللتيا والتي فلا يرتفع الاشكال، فإنه لو سلم كون الطهارة شرطا للصلاة كما هو المفروض، فبعد انكشاف الخلاف ينكشف عدم واجدية الصلاة لشرطها، والمشروط عدم بعدم شرطه.
قلت: قد عرفت أن مقتضى تحكيم مثل قوله (كل شي نظيف) على الدليل الدال على شرطية الطهارة هو سقوطها من الشرطية ورفع اليد عنها في حال الشك، فبانكشاف نجاسة المشكوك فيه ينكشف عدم طهارته لا عدم واجدية العمل لاجزائه وشرائطه، إذ مقتضى ما ذكرناه