وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ المحقق الخراساني، من الفرق بين مفاد الأصل والامارة، ففيه:
أن الامارات كخبر الواحد والبينة وأمثالهما وإن كانت بلسان حكاية الواقع، لكنها بأنفسها ليست أحكاما ظاهرية، بل الحكم الظاهري عبارة عن مفاد دليل حجية الامارة الحاكمة بوجوب البناء عليها، و لسان أدلتها هي بعينها لسان أدلة الأصول.
وبعبارة أخرى: فرق بين نفس ما تؤدي عنه الامارة وتحكيه، وبين ما هو المستفاد من دليل حجيتها. فإن البينة مثلا إذا قامت على طهارة شي كانت هذه البينة بنفسها حاكية للواقع، جعلها الشارع حجة أم لا، ولكن الحكم الظاهري في المقام ليس هو ما تحكيه البينة من (الطهارة)، بل الحكم الظاهري عبارة عن حكم الشارع بوجوب العمل على طبقها، وترتيب آثار الواقع على مؤداها، وظاهر ما دل على هذا الحكم هو قناعة الشارع في امتثال أمره الصلاتي مثلا، بإتيانها فيما قامت البينة على طهارته، ولازم ذلك سقوط الطهارة الواقعية من الشرطية في هذه الصورة. وكذلك إذا دل خبر زرارة مثلا على عدم وجوب السورة كان قول زرارة حاكيا للواقع، جعله الشارع حجة أم لا، ولكن الحكم الظاهري ليس عبارة عن مقول زرارة، بل هو عبارة عن مفاد أدلة حجية الخبر، أعني حكم الشارع - و لو إمضاء - بوجوب ترتيب الآثار على ما أخبر به الثقة، فلو انحل قوله:
(صدق العادل) مثلا بعدد الموضوعات كان معناه فيما قام خبر على عدم وجوب السورة: (يا أيها المكلف الذي صرت بصدد امتثال الامر الصلاتي، ابن علي عدم وجوب السورة) وظاهر هذا هو أنك إذا صليت بغير سورة فقد امتثلت الامر بالصلاة وكان عملك مصداقا للمأمور به.
وبالجملة: الفرق بين الامارة والأصل بكون الأولى بلسان الحكاية دون الثاني، إنما يصح إذا كان النظر إلى نفس مؤدى الامارة التي هي أمر تكويني، وأما إذا كان النظر إلى دليل حجيتها فلا فرق بينهما، لظهور دليل كل منهما في الاجزاء ورفع اليد عن الواقع. [1] [1] أقول: لا يخفى أن ما ذكره سيدنا الأستاذ العلامة (مد ظله العالي):
من ثبوت الاجزاء في الامارات يتوقف على ثبوت جعل في الامارات، حتى يقال بكون أدلة حجيتها ناظرة إلى الأدلة الواقعية الواردة في تحديد الاجزاء والشرائط والموانع وموجبة لتوسعة المأمور به، مع أنه (مد ظله) أيضا ينكر ثبوت الجعل في الامارات إلا بنحو الامضاء، وليس معنى الامضاء أن يقول الشارع (أمضيت) مثلا، فإن هذا مقطوع العدم، بل معناه عمل العقلا بها واعتمادهم عليها في مقام إثبات الواقعيات، أو مقام الاحتجاج واللجاج بمرأى الشارع ومسمعه من دون أن يردع عنها، بل هو أيضا كأحدهم في ذلك وكذا في غيرها من العاديات، ما لم يترتب عليها مفسدة. ولا ريب أن