المعذرية، كما في سائر المقامات، بداهة أن التنجيز إنما يعقل فيما إذا لم يكن الواقع منجزا لولا هذا الجعل، والمفروض - فيما نحن فيه - تنجز الواقع مع قطع النظر عن الحكم الظاهري لعلم المكلف بوجوب الصلاة المشروطة بالطهارة عليه. وأما المعذرية فهي أيضا لا مجال لها في المقام، إذ المكلف الآتي بصلاته في الثوب الذي شك في طهارته إن انكشفت له النجاسة في الوقت فلا معنى لجعل المعذر بالنسبة إليه، إذ لم يصدر عنه بعد ما هو خلاف الواقع من جهة بقاء وقت الواجب وتمكنه من إتيانه، ولم يتعين عليه إتيانه في أول الوقت حتى يحتاج إلى معذر في تركه. وإن فرض عدم انكشاف النجاسة إلى أن خرج الوقت فتفويت الواقع جاء من قبل ترخيص الشارع وإلا كان المكلف يأتي به لعلمه به وتنجزه عليه.
وبعبارة أخرى: إذنه في إتيان الصلاة في المشكوك فيه أوجب تفويت الواقع فلا مجال للقول:
يكون الغرض من هذا الاذن هو المعذرية بعد ما كان المكلف يأتي الواقع على ما هو عليه لولا ترخيص الشارع. [1] وبالجملة: أثر الحكم الظاهري وإن كان في سائر المقامات عبارة عن تنجيز الواقع في صورة الموافقة، وكونه معذرا بالنسبة إليه في صورة المخالفة، ولكن هذا فيما إذا لم يكن الواقع منجزا لولا الجعل الظاهري، وأما في هذه الصورة فأثر الجعل الظاهري توسعة المأمور به وإسقاط الشرطية الواقعية وجعل فرد طولي لما هو المأمور به، ولازم ذلك حمل الواقع على الانشائية المحضة. وبهذا البيان يظهر أن كيفية الجمع بين الحكمين في المقام تخالف كيفيته في سائر المقامات.
[1] أقول: لا يخفى أن المعذرية ليست أثرا للحكم الظاهري بنحو يكون جعله بلحاظها، إذ في موارد الجهل بالواقع وعدم تمامية الحجة عليه تكون المعذورية مستندة إلى عدم انكشاف الواقع وعدم تمامية الحجة بالنسبة إليه، لا إلى انكشاف الخلاف وقيام الحجة على خلاف الواقع، فلو فرض عدم قيام الحجة على الخلاف أيضا كان المكلف معذورا لأجل الجهل بالواقع، وفي موارد انكشاف الواقع و تمامية الحجة بالنسبة إليه كما في ما نحن فيه وإن كان جعل الحكم الظاهري المؤدي إلى خلاف ما قامت عليه الحجة معذرا للعبد، ولكن لا مجال لجعله بلحاظ هذا الأثر، لاستلزام ذلك تفويت الغرض و الواقع بلا جهة ملزمة، هذا.
ولكن جعل الحكم الظاهري في القسم الثاني بعد تحقق المصحح لجعله (من التسهيل ونحوه) يترتب عليه المعذرية أيضا، وهذا بخلاف جعله في القسم الأول، أعني صورة عدم تمامية الحجة بالنسبة إلى الواقع. فما ذكره سيدنا الأستاذ الأكبر (مد ظله العالي) من عدم كون المعذرية أثرا للحكم الظاهري (في هذا القسم) لعله أراد بذلك عدم كونها أثرا مصححا لجعله وهو كذلك، إلا أنه يمكن أن يورد عليه أن المعذرية ليست أثرا مصححا في سائر الموارد أيضا، بل ليست أثرا للحكم الظاهري أصلا كما عرفت. ح - ع - م.