فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ٧٠
كل من الانائين من أول الامر ولو قبل صدور البيع تجري وتسقط بالمعارضة، ولا يتوقف جريانها على وقوع البيع خارجا.
وبالجملة: لا ينبغي التأمل في أن عدم السلطنة على بيع الخمر وفساده كحرمة شربه من الآثار المترتبة على نفس المعلوم بالاجمال، وقد عرفت: أن كل ما للمعلوم بالاجمال من الاحكام يجب ترتبه على كل واحد من الأطراف (1)

(١) أقول: لما كان شأن العلم الاجمالي تنجيز الواقع المعلوم فالعقل يحكم بلزوم ارتكاب الطرفين أو تركه مقدمة للفرار عن العقوبة المحتملة، ولازمه عدم مشاركة الطرفين للمعلوم إلا من حيث لوازم التكليف إطاعة أم عصيانا لمحض إرشاد العقل إلى الفرار عن العقوبة المحتملة، وإلا فليس لنا دليل تعبدي على شركة الطرفين للمعلوم بالاجمال في جميع الآثار وضعا أم تكليفا، ولذا نقول أيضا: إن العلم بالوضع لا يؤثر في الطرف شيئا إلا بملاحظة انتهائه إلى التكليف، كما لا يخفى.
وحيث كان الامر كذلك نقول أيضا: إن شأن العلم الاجمالي في الموضوعات ليس إلا إحراز صغرى الخطاب التكليفي ولو بواسطة إحراز حكم وضعي مستتبع لتكليف في البين، كي ببركة هذا الصغرى المحرزة بالعلم يتنجز الكبرى المترتبة على موضوعه المحرز بالعلم، وحيث عرفت ذلك، فنقول:
إن كل تكليف مترتب على المعلوم فلا شبهة في تنجزه باحراز صغراه، ونتيجة تنجزه ليس إلا حكم العقل إرشادا بلزوم العمل عليه بارتكاب طرفيه أو تركه، ولا فرق في ذلك أيضا بين كون التكليف المحرز واحدا في الطرف ومتعددا في طرف آخر، من دون أن يكون التكليف الآخر مسببا عن الخطاب المعلوم موضوعا أم حكما.
وأما لو كان مسببا عن شئ مضاف إلى موضوع الخطاب أو نفسه، فان أحرز هذا السبب أيضا بنحو الاجمال نظير ارتكاب العصيان في الفسق وكالكفارة المترتب على ارتكاب الحرام شرعا أو الحد المترتب على شرب الخمر الحرام، فلا إشكال أيضا في إحراز صغراه ولو إجمالا، كأصل الخطاب الأولي، فالعقل أيضا يحكم بوجوب مقدمة العلمية فعلا أو تركا، خصوصا لو كان العلم الاجمالي بتحقق السبب موجبا للعلم التفصيلي بالمسبب، كما هو الشأن في الكفارة والحد، فيجب إقامتهما. وأما لو فرض عدم إحراز هذا السبب ولو بأن لا يرتكب إلا لاحد الطرفين أو لا يشرب إلا أحد الانائين أو لا يقدم إلا على أحد المحتملين، فلا شبهة في عدم إحراز صغرى الخطاب الثاني، والفرض أن هذا الخطاب في طول الخطاب الأول أيضا، بحيث يكون طرفيته للعلم في طول العلم بالخطاب الأول، فحينئذ بأي وجه يحكم بوجوب الاجتناب عن الخطاب الثاني؟ بعد فرض عدم إحراز صغراه وعدم طرفيته للعلم المنجز لفرض سبقه ولو رتبة بعلم آخر، وبعد أن علمت ما ذكرنا، فنقول:
بعد الجزم بأن الملاقاة للنجس سبب لنجاسة الملاقي (بالكسر) قد عرفت في الحاشية السابقة بأنها واسطة لاكتساب الملاقي النجاسة من الملاقى (بالفتح) نظير اكتساب المفتاح الحركة من اليد، كما يشهد له التعبير بتنجيسه الظاهر في المنشأية، لا أنه حكم تعبدي مستقل ولا أنه مرتبة أخرى في عرض نجاسة الملاقى (بالفتح) مرتبة، وحينئذ يصير نجاسة الملاقي (بالكسر) معلول نجاسة الملاقى (بالفتح) فلا جرم تصيران في التكليف أيضا طوليتين، وحينئذ لا مجال لتنجز التكليف في الملاقي (بالكسر) لطولية علمه لعلم سابق منجز، ومن هنا أيضا ظهر حال الثمرة للشجرة.
وتفصيل القول فيه أيضا أن يقال: إن ملك النماء والمنفعة تارة يقال: إنه من آثار ملكية العين بحيث اخذ ملكية العين علة لملك النماء، فلا شبهة في أن التكليف المتولد من هذه الملكية أيضا يصير في طول التكليف المتولد من ملكية العين، وأخرى يقال: بأن ملكية المنفعة والعين في عرض واحد وإنما النماء من تبعات العين وجودا لا ملكية، بل هما في عروض الملكية في عرض واحد، فعلى الأخير: لا يكون الحكم التكليفي المتولد من ملكيتهما إلا عرضيا، لعدم اقتضاء في طوليتهما، وحينئذ فمهما وقع غصبية العين طرفا للعلم الاجمالي يصير غصبية النماء في عرضه أيضا طرفا، فيصير المقام من صغريات العلم الاجمالي بتكليفين في طرف وتكليف واحد أو تكليفين في الطرف الآخر، وفي هذه الصورة يصير جميع التكاليف منجزة في عرض واحد، وفي هذا المقام لا فرق في وجوب الاجتناب عن ثمرة الشجرة المحتمل غصبيته بين أن يكون من طرف واحد أو من طرفين، كلتا الثمرتين محل الابتلاء أو أحدهما بعد فرض الابتلاء بذات الشجرة من الطرف الآخر. وأما على الأول: فلا شبهة في إن التكليف المتوجه إلى الثمرة في طول التكليف المتوجه إلى الشجرة، وفي مثله لا يكون العلم الاجمالي بين الثمرة والشجرة الأخرى إلا في طول علم آخر بين الشجرتين، فمع فرض عدم الابتلاء بثمر شجرة أخرى لا وجه للاجتناب عن هذه الثمرة، لان الثمرة متعلق تكليف مستقل غير تكليف الشجرة، مع عدم إحراز موضوعه، لان موضوعه ملك الغير المشكوك فعلا، بعد فرض عدم جريان أصالة عدم ملكيته، لمعارضته بأصالة عدم ملكية أخرى، حسب اعترافه في الأصول التنزيلية ولو كانت مثبتة. وعلى أي حال:
لا مجال لتوهم أن التكليف بحرمة التصرف في الثمرة من تبعات التكليف بعدم جواز التصرف في الشجرة المغصوبة وشئونه ويكفي في تنجزه تنجز التكليف بحرمة التصرف في الشجرة المغصوبة، إذ الغرض من كونه من تبعاته وشئونه أنه تكليف آخر من تبعات التكليف بحرمة الغصب في الشجرة، فمرجعه إلى اختيار الاحتمال الأول: من طولية تكليفهما، ومع هذا الاختيار لا معنى لاقتضاء تنجز التكليف السابق رتبة بعلمه، لتنجز هذا التكليف المشكوك موضوعه وجدانا، مع فرض عدم كونه أيضا طرف العلم المنجز، لسبقه بعلم آخر.
وإن أريد أنه من تكليف آخر، ولكن بملاحظة تبعية ذات المنفعة أو النماء للعين يحسب من تبعاته، وإلا فهو تكليف آخر في عرض التكليف بالشجرة، فمرجعه إلى الاحتمال الثاني: من منجزية العلم له أيضا، لكونه من باب العلم بتكليف في طرف وتكليفين في طرف، لا أن منجزه مجرد العلم بغصبية الشجرة، إذ لا يكون علمه إلا منجزا لتكليفه لا لتكليف آخر، فالمنجز للتكليف الآخر ليس إلا وقوعه طرفا للعلم الآخر المنجز.
وإن أراد التكليف بالاجتناب عن الثمرة عين التكليف بالاجتناب عن الشجرة المغصوبة فبداهة فساده غني عن بيانه. نعم: الذي يسهل الخطب في هذا الباب إمكان ترجيح الاحتمال الثاني، لعدم مقتض لطولية التكليفين في الثمرة والشجرة، لان طولية أحدهما للآخر وجودا لا يقتضي طوليتهما حكما، كما أنه لو بنينا على الطولية أيضا - لمكان جريان الأصول المثبتة للتكليف في الطرفين، كما أوضحناه - لا يبقى مجال جريان البراءة عن الثمرة، وهو العمدة في أصالة الحرمة في الأموال أيضا، فتدبر تعرف.
كما أن في مسألة الملاقاة قد عرفت أن ما هو المرتكز في الأذهان ومعقد كلمات الأصحاب والتعبير بتنجس الشئ للشئ في النصوص كون نجاسة (الملاقي) بالكسر ناشئة عن نجاسة الملاقى (بالفتح) بحيث يكون منشئه سرايتها من الملاقى (بالفتح) إلى الملاقي (بالكسر) ولذا يكون التكليف بأحدهما مسببا عن التكليف بالآخر ولو قلنا بالسراية بنحو ذكرنا، كما هو المرتكز في الأذهان، كما يشهد له كلماتهم في عدم تنجس العالي الوارد على النجس، فتدبر.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست