بمعنى أن من علم أنه يصل البلد قبل الظهر فهو بالخيار إن شاء أفطر قبل الدخول وإن شاء أمسك حتى يدخل فيجب عليه الصيام. وهو جيد. واحتمال التخيير إلى بعد الدخول وإن أمكن نظرا إلى الاطلاق إلا أنه يجب العمل على ما ذكروه جمعا بين هذين الخبرين وبين ما تقدم من الأخبار. إلا أن اعتبار هذا المعنى بعيد في الرواية الثالثة فإنها كالصريحة في التخيير بعد الدخول، ويمكن ارتكاب التأويل فيها أيضا وإن بعد بحمل قوله " وإن دخل بعد طلوع الفجر " على معنى " وإن أراد الدخول " مثل قوله عز وجل: إذا قمتم إلى الصلاة (1) أي إذا أردتم القيام، وقوله سبحانه: فإذا قرأت القرآن (2).
وكيف كان فلا يخفى أن الترجيح ثابت للأخبار الأولة من وجوه: أحدها كونها نصا في المطلوب وما قابلها ممكن الحمل عليها بما ذكرناه وإن تفاوت في بعضها قربا وبعدا. وثانيها اعتضادها بعمل الطائفة بل عمل جميع العلماء من الطرفين كما أشرنا إليه. وثالثها - أنه مع العمل بالأخبار الأولة يمكن حمل هذه الأخبار عليها ومع العمل بهذه الأخبار يلزم طرح الأخبار الأولة مع صراحتها، والعمل بالدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. ورابعها أنها أوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية عند اختلاف الأخبار فيجب المصير إلى العمل بها.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن المراد بالقدوم المبني عليه الحكم المذكور هو تجاوز محل الترخص داخلا على القول المشهور ودخول المنزل على القول الآخر وهو الأشهر من الروايات.
وأما الحكم الثاني فيدل عليه جملة من الأخبار: منها موثقة سماعة (3) قال:
" سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل؟ قال: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل ".