و (ثانيا) أنه من القواعد المقررة عندهم أنهم لا يجمعون بين الأخبار مع تعارضها إلا مع التكافؤ في الصحة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح ويرمون بالخبر الضعيف في مقابلة الصحيح، فكيف خرجوا عن هذه القاعدة في هذا المقام؟ ولهذا أن السيد السند في المدارك بعد نقل روايتي القول المشهور المذكورتين ثم نقل الروايات الثلاث التي صدرنا بها الأخبار المتقدمة نقل عن الأصحاب حمل هذه الروايات على الاستحباب واعترضهم بأن ذلك مشكل لانتفاء ما يصلح للمعارضة، وكأنه لذلك تفطن جده (قدس سره) حيث إنه لم يستدل بهذين الخبرين وإنما استدل بالأدلة الآتية دون هذين الخبرين، و (ثالثا) أن قوله في التهذيب بعد دعواه حمل أخبار النجاسة على ضرب من الكراهة: " والذي يدل على ذلك... الخ " مردود بأن ما أورده من أن ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله عام وهذه الأخبار خاصة وطريق الجمع المعروف في أمثال هذا المقام حمل العام على الخاص لا ما ذكره.
و (رابعا) أنه من القواعد المقررة في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) في مقام تعارض الأخبار الأخذ بالأعدل والأوثق وكذا الأخذ بالأشهر يعني في الرواية لا في الفتوى كما نبه عليه جملة من المحققين، ولا ريب أنه بمقتضى هاتين القاعدتين يجب ترجيح أخبار النجاسة كما لا يخفى على الخبير المنصف.
وأما ما ذكره الشيخ (قدس سره) من حمل أخبار النجاسة على التقية لموافقتها لقول بعض العامة ففيه أن الحمل على التقية فرع المرجوحية وللخصم أن يحمل خبريه على التقية أيضا بل هو الظاهر لمرجوحيتهما الموجبة لطرحهما فيحملان على التقية لقول جملة من العامة بالطهارة تفاديا من طرحهما.
ولا يخفى على المنصف الخبير أنه من البعيد بل الأبعد ارتكاب التأويل في هذه الأخبار في مقابلة ذينك الخبرين الضعيفين مع ما عرفت من كثرتها وتعددها وورودها في مقامات متعددة وأحكام متفرقة مع صحة أسانيد كثير منها وقوة الباقي وصراحتها