ما تضمنه هذا الخبر من الأخذ بقول أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ما تقرر في السؤال دلالة على أن الحكم في ذلك هو النجاسة وأن الطهارة لا تعويل عليها، وهذا القدر من الدلالة في الحديث الصحيح كاف في الاستدلال لاعتضاده بما تقدم من الأخبار وباتفاق أكثر علماء الاسلام مع ما في التنزه عنه من الاحتياط للدين كما ذكره المحقق (قدس سره) فإذا القول بالنجاسة هو المعتمد. انتهى. أقول: ما ذكره من استشكاله في حسن ما ذكره الشيخ بما نقله الأصحاب عن أكثر أهل الخلاف سيأتي الجواب عنه في المقام إن شاء الله تعالى وبما ذكرناه من الوجوه الظاهرة البيان الغنية عن إقامة الحجة والبرهان كما لا يخفى على أهل الانصاف من ذوي الأذهان يظهر بطلان حمل أخبار النجاسة على الاستحباب ويتعين العمل بها في هذا الباب فتبقى أخبار القول بالطهارة ويتعين حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية.
بقي الكلام فيما ذكروه من أن أكثر العامة قائلون بالنجاسة، وفيه ما ذكره بعض المحققين من أصحابنا المتأخرين من أن التقية لا تنحصر في القول بما يوافق علماءهم بل قد يدعو لها اصرار جهلائهم من أصحاب الشوكة على أمر وولوعهم به فلا يمكن إشاعة ما يتضمن تقبيحه والازراء بهم على فعله، وما نحن فيه من هذا القبيل فإن أكثر أمراء بني أمية وبني العباس ووزرائهم وأرباب الدولة كانوا مولعين بشرب الخمر ومزاولتها واستعمالها وعدم التحرز عن مباشرتها، بل ربما نقل أن بعضهم يأم الناس وهو سكران فضلا عن أن يكون ثوبه متلوثا بالخمر (فإن قيل) إنهم (عليهم السلام) لو كانوا يتقون في ذلك لكان تقيتهم في الحكم بالحرمة أوجب وأهم مع أن المعلوم من أخبارهم أنهم كانوا يبالغون في ذلك تمام المبالغة حتى ورد في أخبارهم (عليهم السلام) " أن مدمن الخمر كعابد الوثن " (1) ونحو ذلك من التهديد والتشديد في تحريمها ولم يرو عنهم ما يتضمن إباحتها (قلت) يمكن الجواب عن ذلك بأنه لما كان صريح القرآن تحريمها كان