عن ذلك، ولكان الإمام (عليه السلام) يجيبهم بأن هذه الأخبار لا منافاة بينها فإن الأمر بغسل الثوب منه إنما هو على جهة الاستحباب وإلا فهو طاهر لا أنه يقرهم على الاختلاف ويجيبهم بقوله " لا تصل فيه فإنه رجس " فيأمرهم بالأخذ بأخبار النجاسة كما في خبر خيران وبقول أبي عبد الله (عليه السلام) كما في صحيحة علي بن مهزيار. وأما ما ذكره الفاضل الخوانساري من أنه يمكن أن يكون المراد بقول أبي عبد الله (عليه السلام) قوله الذي مع أبي جعفر (عليه السلام) ويكون التعبير بهذه العبارة المشتبهة للتقية فهو مما لا يروج إلا على الصبيان العادمي الأفهام والأذهان.
(الخامس) أن جملة من الروايات الدالة على النجاسة لا تلائم هذا الحمل مثل صحيحة علي بن مهزيار المتضمنة أن غير زرارة روى عن الصادق (عليه السلام) في نجاسة الخمر " أنه يغسل الثوب كملا مع جهل موضعه ويعيد الصلاة لو صلى فيه " ومثلها مرسلة يونس المتقدمة نقلا من الكافي، فإنه لم يعهد في الأخبار التشديد في الأمور المستحبة والمبالغة فيها إلى هذا المقدار وإنما وقع نظيره في الأخبار في النجاسات المقطوع بها لا الأشياء الطاهرة، ومثل ذلك في رواية أبي جميلة البصري وحكايته عن يونس فإنه لو كان طاهرا كما يدعونه وأن إزالته عن الثوب إنما هو على طريق الأولوية والاستحباب لما خفي ذلك على يونس وهو من أجلاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وسياق الخبر كما عرفت ظاهر بل صريح في أن يونس إنما فهم من خبر هشام النجاسة وصار اعتقاده القول بالنجاسة، فإن غمه بملاقاة الفقاع له وتوقفه عن المبادرة للصلاة في أول وقتها وسؤال الراوي له أن هذا رأي رأيته أو شئ ترويه كلها ظاهرة الدلالة في حكمه بالنجاسة، ومثل حديث العبدية وقوله (عليه السلام): " ما يبل الميل ينجس حبا من ماء " كيف يحمل على الاستحباب؟ وأي مجال لهذا الاستحباب الذي لا دليل عليه من سنة ولا كتاب؟
وكأن هذا القائل ظن انحصار دليل النجاسة فيما دل غسل الثوب أو البدن كما هو ظاهر عبارة المدارك.