خلط الشهامة بالليان فأصبحت * عذاله بين الرجا والياس فرع نما من هاشم في تربة * كان الكفئ لها من الأغراس لا تهجر الأنواء منبتها ولا * قلب الثرى القاسي عليه بقاسي وكان بينهما رضاع الثدي من * فرط التصابي أو رضاع الكاس أبليت هذا المجد أبعد غاية * فيه وأكرم شيمة ونحاس (1) اقدام عمرو (2) في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء أياس فلما قال البيت الأخير قال له أبو يوسف يعقوب بن الصباح الكندي الفيلسوف - وأراد الطعن عليه -: الأمير فوق من وصفت وزاد في رواية النبراس: كيف تشبه ولد أمير المؤمنين باعراب اجلاف وهو أشرف منزلة وأعظم محلة فاطرق قليلا وزاد في القصيدة بيتين لم يكونا فيها.
لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس فعجبنا من سرعته وفطنته قال صاحب النبراس واهتز ابن المعتصم لذلك طربا وبهت له متعجبا ووقع له بالموصل. قال الصولي وقد روي هذا الخبر على خلاف هذا وليس بشئ وهذا هو الصحيح (اه) أقول أراد برواية الخبر على خلاف ما ذكره ما مر عن النبراس من أنه وقع له بالموصل أو ما أشار اليه ابن خلكان في تاريخه بقوله ورأيت الناس يطبقون على أنه مدح الخليفة بقصيدته السينية فلما انتهى فيها إلى قوله (اقدام عمرو) البيت قال له الوزير أتشبه أمير المؤمنين بأجلاف العرب فاطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال (لا تنكروا ضربي له من دونه) البيتين فقال الوزير للخليفة أي شئ طلبه فاعطه فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة الفكرة وصاحب هذا لا يعيش إلا هذا القدر فقال له الخليفة ما تشتهي قال أريد الموصل فأعطاه إياها فتوجه إليها وبقي هذه المدة ومات قال ابن خلكان وهذه القصة لا صحة لها أصلا ثم نقل كلام الصولي المتقدم وزاد فيه ولما اخذت القصيدة من يده لم يجدوا فيها هذين البيتين فعجبوا من سرعته وفطنته ولما خرج قال أبو يوسف وكان فيلسوف العرب هذا الفتى يموت قريبا ثم قال ابن خلكان وقد تتبعتها وحققت صورة ولايته الموصل فلم أجد سوى ان الحسن بن وهب ولاه بريد الموصل فأقام بها أقل من سنتين ثم مات بها قال والذي يدل على أن القصة ليست صحيحة ان هذه القصيدة ما هي في أحد من الخلفاء بل مدح بها أحمد بن المعتصم وقيل أحمد بن المأمون ولم يل واحد منهما الخلافة (اه) والموجود في الديوان انه قالها في أحمد بن المعتصم. ثم قال ابن خلكان:
والحيص بيص ذكر في رقاعه السبع التي كتبها إلى الامام المسترشد يطلب منه بعقوبا أن الموصل كانت إجازة لشاعر طائي فاما انه بنى الامر على ما قاله الناس من غير تحقيق أو قصد أن يجعل هذا ذريعة لحصول بعقوبا له والله أعلم وتابعه في الغلط ابن دحية في كتاب النبراس (اه) وفي هدية الأيام: كونه بنى الأمر على ما قاله الناس من غير تحقيق بعيد ويمكن أن يكون جعله ذريعة لحصول مطلوبه (اه) فقد حصل في المقام اشتباهات (1) ان القصيدة في الخليفة مع أنها في أحمد بن المعتصم ولم يل الخلافة (2) ان الوزير قال للخليفة اعطه ما طلبه فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما فولاه الموصل فان القصيدة لم تكن في الخليفة ليقول وزيره ذلك ولم يل أبو تمام الموصل انما ولي بريدها من قبل الحسن بن وهب لا غيره والذي قال إن هذا الفتى يموت قريبا هو الكندي لا وزير الخليفة قال ذلك لما خرج أبو تمام من عند أحمد بن المعتصم. قال البديعي: والصحيح أن أبا تمام لما خرج من عند ابن المعتصم بعد انشاد القصيدة قال الفيلسوف الكندي هذا الفتى يموت قريبا لأن ذكاءه ينحث عمره كما يأكل السيف الصقيل غمده (اه). وهذا معقول وممكن أن يعرفه الفيلسوف ظنا وتقريبا وان كان يحتمل أن يكون من المبالغات التي تحصل عادة في مثل هذه المقامات ممن حصل منه نادرة أو شئ غريب يزاد عليه ما يفوقه في الغرابة ويأتي في أخباره مع ابن الزيات نظير هذه القصة ومن الاشتباهات في المقام ما ذكره شارحو كتاب أخبار أبي تمام للصولي المطبوع بمصر من أن أحمد بن المعتصم الممدوح بتلك القصيدة هو المستعين أحمد بن المعتصم محمد بن هارون الرشيد وذلك لأن المستعين هو أحمد بن محمد بن المعتصم فهو حفيد المعتصم لا ابنه لصلبه كما صرح به ابن الأثير ورد على ابن مسكويه في تجارب الأمم الذي قال إن المستعين هو أخو المتوكل لأبيه بأنه ابن أخيه محمد بن المعتصم لا أخو المتوكل وكأن منشأ الاشتباه أن المعتصم اسمه محمد وابنه والد المستعين اسمه محمد وصرح ابن خلكان كما سمعت بأن أحمد بن المعتصم وأحمد بن المأمون لم يل واحد منهما الخلافة كما صرح الصاحب بن عباد في عنوان المعارف بان المستعين هو أحمد بن محمد بن أبي إسحاق وأبو إسحاق هو المعتصم ثم لو كان المراد بأحمد بن المعتصم هو المستعين لصرح فيه بلقب الخلافة ولم يقتصر على اسمه حتى لو كان مدحه له قبل أن يلي الخلافة ثم إن المستعين متأخر عن عصر أبي تمام كثيرا فإنه قتل سنة 252 وزاد بعض من ذكر هذه القصة أن أبا تمام قال استحضرت أشعار العرب فما وجدت فيها مخرجا ثم اخذت في تعداد الأخبار والأحاديث فلم أجد شيئا ثم استقرأت القرآن إلى سورة النور حتى وجدت هذا المثال فهذا قد احترقت أخلاطه (اه). والصواب ان أصل القصة صحيحة ويدل عليها نفس البيتين فان قوله لا تنكروا دليل على وقوع الإنكار وحمله على انكار مقدر بعيد وكفى بذلك فضيلة له فان استحضار هذا الجواب ونظمه بهذين البيتين المنسجمين غاية الانسجام في هذه المدة القصيرة فضيلة عظيمة أما استعراضه بفكرة الأشعار والأحاديث والقرآن إلى سورة النور في هذه المدة القصيرة فأمر خارج عن مقدور البشر ولو تناهوا في الذكاء والفطنة نعم يجوز ان يكون التفت بفكره إلى الاشعار والأخبار فلم يخطر بباله ما يصلح أن يكون جوابا والتفت بفكره إلى القرآن فخطرت بباله آية فنظمها هذا معقول ونظير هذه الواقعة في سرعة فطنته وشدة ذكائه ما ذكره الصولي في أخبار أبي تمام فقال: يروي انه عيب عليه قوله وقد أنشد هذه القصيدة التي فيها.
شاب رأسي وما رأيت مشيب الر * أس إلا من فضل شيب الفؤاد فزاد فيها من لحظته وكذاك القلوب في كل بؤس * ونعيم طلائع الأجساد وقال الصولي حدثني أحمد بن إسماعيل حدثني عبد الله بن الحسين ولست أدري من عبد الله هذا قال سمعت أبا تمام ينشد أحمد بن المعتصم في علة اعتلها.
أقلق جفن العينين عن غمضه * وشد هذا الحشا على مضضه شجى بما عن للأمير أبي * العباس امسى نصبا لمعترضه لواسع الباع رحبه واجب * الحق على العالمين مفترضه من الألى نستجير من شرق الدهر * بهم إن ألم أو جرضه