واحد وعن الزاهد العابد الشيخ حسين نجف ولم يزل ملازما لدرس الطباطبائي إلى وفاة الطباطبائي ثم استقل بالتدريس بعد سفر الشيخ جعفر إلى إيران ولم يعد اليه بعد رجوعه فوقعت بينهما لذلك وحشة ساعد عليها بعض المفسدين وكان يعبر عنه بالشيخ الأكبر الشيخ جعفر جعلني الله فداه وعن كل من بحر العلوم وصاحب الرياض بالعلامة على عصمة أجداده.
جده في تحصيل العلم كان عديم النظير في الجد في تحصيل العلم فقد افنى عمره في الدرس والتدريس والبحث والمطالعة والتصنيف والتأليف وخدمة الدين واستغرق في ذلك ليله ونهاره وعشيه وابكاره بحيث لا يكاد يشغله عن ذلك شاغل من مرض أو ضعف أو قلق حتى في ليالي الأعياد وليالي القدر وسائر ليالي شهر رمضان إلى أن بلغ سن الشيخوخة وهو لا يزداد الا رغبة ونشاطا وكان لا ينام من الليل الا أقله ويأتي انه سئل عن أفضل الأعمال في ليلة القدر فقال الاشتغال بطلب العلم باجماع علماء الإمامية وذكر في جملة من مصنفاته انه فرع منها نصف الليل وفي بعضها بعد النصف وفي بعضها ليلة القدر أو ليلة الفطر حتى أنه أيام محاصرة الوهابي للنجف الأشرف في عدة دفعات من سنة 1221 إلى 1226 وممانعة أهلها له وقيام العلماء معهم بالجهاد لم يفتر عن التأليف والتدريس مع اشتغاله مع العلماء بأمور الجهاد ومباشرة الحصار وتهيئة أسباب الدفاع والطواف ليلا على الحرس والمحاربين فقد صنف يومئذ رسالة في وجوب الذب عن النجف وانها بيضة الاسلام. وصنف جملة من مجلدات مفتاح الكرامة وفرع منها في تلك الحال كمجلد الضمان والشفعة والوكالة وكان في عشر السبعين ويدل على جده واجتهاده ليلا ونهارا ما في آخر كثير من مجلدات مفتاح الكرامة انه فرع منه ليلا فقد ذكر انه فرع من مجلد الوقف فيما يقرب من نصف الليل ومن مجلد الوكالة بعد انتصاف الليل ومن المجلد الثاني من الطهارة في الربع الأخير من الليل ومن مجلدي الشفعة والاقرار ليلا ومن بعضها ليلة القدر أو ليلة الفطر. حدثنا استاذنا الشيخ فتح الله الملقب بشيخ الشريعة الأصفهاني عن صاحب مفتاح الكرامة أنه قال اجمع الامامية على أن أفضل الأعمال ليلة القدر الاشتغال بطلب العلم انتهى ويدل على صحة ذلك ما في آخر مجلد الاقرار من مفتاح الكرامة:
كتبت في شهر رمضان من هذه السنة ثمانية اجزاء أو تسعة أو عشرة مع هذا التتبع والاستيفاء وذلك اني تركت له سائر الأعمال التي يعملها العاملون في شهر رمضان الا ما قل جدا مؤثرا للتحصيل على ذلك. وقال حفيده السيد جواد ابن السيد حسن ابن السيد محمد ابن السيد جواد المترجم حدثتني مرارا ابنته من صلبه المشهورة بالتقوى والعبادة الجليلة القدر عند صاحب الجواهر وسائر العلماء إلى زمن الشيخ محمد حسين الكاظمي وتجاوز سنها الخمس والتسعين وهي صحيحة الحواس قوية الادراك قالت: كان والدي لا ينام من الليل الا أقله ولا اعلم انني استيقظت ليلا فوجدته نائما وكان سبطه الشيخ رضا بن زين العابدين العاملي معه في داره مدة فكان إذا فرع من مطالعة أبحاثه ينام ويبقى جده مشغولا بشغله فيلتفت اليه ويقول ما هذا التعشق للنوم انا يكفيني منه هكذا ويضع رأسه بين ركبتيه وينام ثم لا يكاد يلتذ بالنوم حتى يستيقظ ويرجع إلى شغله قالت: وكان أبي ربما يوقظ سبطه المذكور لنافلة الليل ويدعها هو ويقدم عليها الاشتغال بالعلم.
والمعروف من حاله على حد التواتر انه كان مشهورا بين علماء عصره من زمن حضوره على الآغا البهبهاني إلى يوم وفاته معروفا بالضبط والاتقان وصفاء الذات وان اجلاء علماء عصره كانوا إذا أشكلت عليهم مسالة وأرادوا تدريسها أو تصنيفها أو الإفتاء بها ووجدوا اضطراب كلمات الأساطين وتعارض الأخبار فيها سألوه عما حققه فان أطلعهم والا التمسوه على كتابتها فيقفون عند قوله لعلمهم بغزارة اطلاعه وجودة انتقاده وشدة تثبته وممارسته الكلمات الفقهاء وخبرته بعلم الرجال ويدل على ذلك ان جل كتبه أو كلها بالتماس أساطين العلماء مما دل على انفراده بما لا يشركه فيه أكثر علماء زمانه انتهى فقد ألف مفتاح الكرامة ورسالة العصرة بطلب من أستاذه الشيخ جعفر ورسالة المواسعة بطلب من أستاذه صاحب الرياض.
وحاصر الوهابيون النجف في أيامه وقد كانوا حاصروا كربلاء سنة 1216 ودخلوها عنو وقتلوا الرجال والأطفال ونهبوا الأموال وفي سنة 1221 في الليلة التاسعة من صفر هجموا على النجف قبل الفجر والناس في غفلة حتى أن بعضهم صعد السور وكادوا يأخذون البلد فردهم الله تعالى وفي سنة 1223 هاجم سعود أمير عرب نجد النجف بعشرين ألف مقاتل وكانت النذر قد جاءت أهلها فحذروه وخرجوا جميعا إلى السور ومعهم العلماء فأتاهم ليلا فوجدهم على حذر قد أحاطوا بالسور بالبنادق والأطواب فحاصرهم حصارا شديدا فثبتوا له خلف السور وقتل منهم وقتلوا منه ورجع خائبا وكان المترجم له أول المباشرين للدفاع وهو المثير الرغبة والحاث على الإقامة على السور حتى أنه صنف في ذلك رسالة كما مر وفي سنة 1225 أحاط الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف وكربلا وقد قطعوا الطرق ونهبوا زوار الحسين (ع) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان وقتلوا منهم جما غفيرا وكانت النجف كأنها في حصار وفي سنة 1226 جاء عسكر الوهابيين إلى النجف ووقع في أطراف العراق كالحلة والمشهدين البلاء المبين من القتل في الزوار والمترددين وحرق الزرع وكان أهل النجف كالمحاصرين ذكر ذلك كله المترجم في أواخر مجلدات مفتاح الكرامة قال والعبد لم يترك الاشتغال مع ما نحن عليه من الحال مع مرض الجسم واني في عشر السبعين. وفي كل هذه الحروب والحصار كان لا يفتأ عن التأليف والتدريس كما سمعت ويتناوب مع العلماء في حفظ السور وتشجيع المرابطين فيقال انه مر عليهم ليلة وهم يشتغلون بضرب الدف واللهو فنهاهم ثم عاد فرآهم نائمين فسال قائدهم فقال انما يوقظهم هذا الدف فقال يا بني دقوا على طبيلتكم دقوا فإنها عبادة. (قال حفيده المتقدم الذكر:) حكى لي بعض أهل الورع والفضل وصدق الحديث في معرض بيان عظمة بحر العلوم وكمال هيبته في صدور أهل عصره انه اعتزل الدرس والمجلس ثلاثة أيام فاشتد الأمر على تلاميذه وعزموا ان يرسلوا اليه من يكون جريئا عليه فوقع اختيارهم على صاحب مفتاح الكرامة لعلمهم بمنزلته عنده فالتمسوه على ذلك فأجابهم فلما رآه استبشر به وجعل يعتذر من اعتزاله بأنه كان لما دهمه من الشك عند ملاحظة اخبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ورد من التحريض عليهما والتهديد على تركهما لمن تمكن وقال إني تمكنت في هذا الزمان مما لم يتمكن منه غيري فلم يحصل لي يقين الخروج عن عهدة هذا التكليف ولا انكشف عن قلبي حجاب الشك الا مع رؤيتك وذلك بيمنك وبركتك والحمد لله ثم اخذ بيده وخرج مظهرا للجماعة انها كرامة للسيد.
واما تعظيمه لأهل العلم ولا سيما مشايخه فلم يعهد مثله من غيره قديما وحديثا كما يظهر من ديباجات كتبه وذلك من أقوى الدلائل على رسوخ قدمه في التقوى ومكارم الأخلاق وصفاء الايمان وقال بعض العلماء ما رأيت مصنفا كصاحب مفتاح الكرامة فإنه يود ان ينسب جميع ما حققه في مصنفاته