أخرجوه من داره، ثم سألوه ليعود إليها فعاد، وسبب ذلك أنه استقدم الوزير أبا القاسم من غير أن يعلموا فلما قدم ظنوا انه انما ورد للتعرض إلى أموالهم ونعمهم، فاستوحشوا واجتمعوا إلى داره وهجموا عليه وأخرجوه إلى مسجد هناك فوكلوا به فيه، ثم إنهم أسمعوه ما يكره ونهبوا بعض ما في داره، فلما وكلوا به جاء بعض القواد في جماعة من الجند ومن انضاف اليه من العامة والعيارين فأخرجه من المسجد وأعاده إلى داره، فنقل جلال الدولة ولده وحرمه وما بقي له إلى الجانب الغربي وعبر هو في الليل إلى الكرخ فلقيه أهل الكرخ بالدعاء فنزل بدار المرتضى وعبر الوزير أبو القاسم معه، ثم أن الجند اختلفوا فقال بعضهم: نخرجه من بلادنا ونملك غيره، وقال بعضهم: ليس من بني بويه غيره وغير أبي كاليجار وذلك قد عاد إلى بلاده ولا بد من مداراة هذا. فأرسلوا اليه يقولون له: نريد ان تنحدر عنا إلى واسط وأنت ملكنا وتترك عندنا بعض أولادك الأصاغر، فأجابهم إلى ذلك وارسل سرا إلى الغلمان الأصاغر فاستمالهم والى كل واحد من الأكابر وقال: انما أثق بك واسكن إليك واستمالهم أيضا، فعبروا اليه وقبلوا الأرض بين يديه وسألوه العدو إلى دار الملك، فعاد وحلف لهم على اخلاص النية والاحسان إليهم وحلفوا له على المناصحة، واستقر في داره. قال:
وفيها استوزر جلال الدولة عميد الدولة أبا سعد بن عبد الرحيم وهي الوزارة الخامسة، وكان قبله في الوزارة ابن ماكولا، ففارقها وسار إلى عكبرا فرده جلال الدولة إلى الوزارة وعزل أبا سعد، فبقي أياما ثم فارقها إلى اوانا. وقال في حوادث سنة 426: في هذه السنة انحل امر الخلافة والسلطنة ببغداد حتى أن بعض الجند خرجوا إلى قرية يحيى فلقيهم أكراد فاخذوا دوابهم فعادوا إلى قراح الخليفة القائم بأمر الله فنهبوا شيئا من ثمرته وقالوا للعاملين فيه: أنتم عرفتم حال الأكراد ولم تعلمونا فسمح الخليفة الحال فعظم عليه، ولم يقدر جلال الدولة على اخذ أولئك الأكراد لعجزه ووهنه، واجتهد في تسليم الجند إلى نائب الخليفة فلم يمكنه ذلك، فتقدم الخليفة إلى القضاة بترك القضاء والامتناع عنه والى الشهود بترك الشهادة والى الفقهاء بترك الفتوى فلما رأى جلال الدولة ذلك سال أولئك الأجناد ليجيبوه إلى أن يحملهم إلى ديوان الخلافة، ففعلوا فلما وصلوا إلى دار الخلافة أطلقوا وقال في حوادث سنة 427: في هذه السنة ثار الجند ببغداد بجلال الدولة وأرادوا اخراجه منها، فاستنظرهم ثلاثة أيام فلم ينظروه ورموه بالآجر فأصابه بعضهم، واجتمع الغلمان فردوهم عنه فخرج من باب لطيف في سمارية متنكرا وصعد راجلا منها إلى دار المرتضى بالكرخ وخرج من دار المرتضى وسار إلى رافع بن الحسين بن مقن بتكريت، وكسر الأتراك أبواب داره ودخلوها ونهبوها وقلعوا كثيرا من ساجها وأبوابها، فأرسل الخليفة اليه وقرر امر الجند وأعاده إلى بغداد قال: وفيها في رجب قبض على الوزير أبي سعد بن عبد الرحيم وزير جلال الدولة، وهي الوزارة السادسة. وفيها مات رافع بن الحسين بن مقن، وخلف بتكريت ما يزيد على خمسمائة ألف دينار، فملكها ابن أخيه خميس بن ثعلب وكان طريدا في أيام عمه، فحمل إلى جلال الدولة ثمانين ألف دينار فاصلح بها الجند. وقال في حوادث سنة 428 فيها كانت الفتنة بين جلال الدولة وبارسطفان وهو من أكابر الامراء ويلقب حاجب الحجاب وسبب ذلك ان جلال الدولة نسبه إلى فساد الأتراك والأتراك نسبوه إلى اخذ الأموال فخاف على نفسه والتجأ إلى دار الخلافة وترددت الرسل بين جلال الدولة والقائم بأمر الله في امره فدافع الخليفة عنه وبارسطغان يراسل الملك أبا كاليجار، فأرسل أبو كاليجار جيشا، فوصلوا إلى واسط واتفق معهم عسكر واسط واخرجوا الملك العزيز ابن جلال الدولة فاصعد إلى أبيه وكشف بارسطغان القناع فاستتبع أصاغر المماليك ونادوا بشعار أبي كاليجار فأخرجوا جلال الدولة من بغداد فسار إلى اوانا ومعه البساسيري وارسل بارسطغان إلى الخليفة يطلب الخطبة لأبي كاليجار فاحتج بعهود جلال الدولة فأكره الخطباء على الخطبة لأبي كاليجار ففعلوا وتنقلت الحال بين جلال الدولة وبارسطغان فعاد جلال الدولة إلى بغداد ونزل بالجانب الغربي وخطب لجلال الدولة به وبالجانب الشرقي لأبي كاليجار وأتى الخبر إلى بارسطغان بعود الملك أبي كاليجار إلى فارس ففارقه الديلم الذين جاءوا نجدة له فضعف امره فدفع ماله وحرمه إلى دار الخلافة وانحدر إلى واسط وعاد جلال الدولة إلى بغداد وأرسل البساسيري والمرشد وبني خفاجة في اثره وتبعهم جلال الدولة ودبيس بن علي بن مزيد الأسدي فلحقوه بالخيزرانية فقاتلوه فسقط عن فرسه فأخذ أسيرا وحمل إلى جلال الدولة فقتله وسار جلال الدولة إلى واسط فملكها وأصعد إلى بغداد وضعف امر الأتراك. قال وفيها ترددت الرسل بين جلال الدولة وابن أخيه أبي كاليجار سلطان الدولة في الصلح فاتفقا على الصلح وحلف كل واحد من الملكين لصاحبه ووقع العقد لأبي منصور بن كاليجار على ابنة جلال الدولة وكان الصداق خمسين ألف دينار قاسانية.
وقال في حوادث سنة 429 فيها سال جلال الدولة الخليفة القائم بأمر الله ليخاطب بملك الملوك فامتنع ثم أجاب اليه إذا أفتى الفقهاء بجوازه فكتب فتوى إلى الفقهاء في ذلك فأفتى القاضي أبو الطيب الطبري والقاضي أبو عبد الله الصيمري والقاضي ابن البيضاوي وأبو القاسم الكرخي بجوازه وامتنع منه قاضي القضاة أبو الحسن الماوردي وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات وخطب لجلال الدولة بملك الملوك، وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة، وكان يتردد إلى دار المملكة كل يوم، فلما أفتى بهذه الفتيا انقطع ولزم بيته خائفا وأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم عيد النحر فاستدعاه جلال الدولة فحضر خائفا فأدخله وحده وقال له قد علم كل أحد انك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي ولم تفعل ذلك الا لعدم المحاباة منك واتباع الحق، وقد بان لي موضعك من الدين ومكانك من العلم، وجعلت جزاء ذلك اكرامك بان أدخلتك إلي وحدك وجعلت أذن الحاضرين إليك ليتحققوا عودي إلى ما تحب، فشكره ودعا له وأذن لكل من حضر بالخدمة والانصراف. وقال في حوادث سنة 431: فيها شغب الأتراك على الملك جلال الدولة ببغداد واخرجوا خيامهم إلى ظاهر البلد، ثم أوقعوا النهب في عدة مواضع، فخافهم جلال الدولة فعبر خيامه إلى الجانب الغربي وترددت الرسل بينهم في الصلح، وأراد الرحيل عن بغداد، فمنعه أصحابه، فراسل دبيس بن مزيد وقرواشا صاحب الموصل وغيرهما، وجمع عنده العساكر، فاستقرت القواعد بينهم وعاد إلى داره. وقال في حوادث سنة 432: فيها اختلف جلال الدولة ملك العراق وقرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل، وسبب ذلك ان قرواشا كان قد انفذ عسكرا فحصر خميس بن ثعلب بتكريت، فأرسل خميس ولده إلى الملك جلال الدولة وبذل بذولا كثيرة ليكف عنه قرواشا فأرسل إلى قرواش يأمره بالكف عنه، فغالط وسار بنفسه وحاصره فتأثر جلال الدولة منه، ثم ارسل كتبا إلى الأتراك ببغداد يفسدهم على جلال الدولة، فأرسل جلال الدولة البساسيري ليقبض على نائب قرواش بالسندية فرأى في طريقه جمالا لبني عيسى، فاخذ الذين