طاهر جلال الدولة وهو بالبصرة وطلب إلى بغداد فلم يصعد إليها وانما بلغ إلى واسط وأقام بها ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب لابن أخيه أبي كاليجار بن سلطان الدولة فلما سمع جلال الدولة بذلك أصعد إلى بغداد فانحدر عسكرها ليردوه عنها فلقوه بالسيب من أعمال النهروان فردوه فلم يرجع فرموه بالنشاب ونهبوا بعض خزائنه فعاد إلى البصرة ولما أصعد جلال الدولة كان وزيره أبا سعد بن ماكولا قال وفيها قبض جلال الدولة على وزيره أبي سعد بن ماكولا واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا وقال في حوادث سنة 418 في هذه السنة في جمادي الأولى خطب للملك جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة ببغداد وأصعد إليها من البصرة فدخلها ثالث شهر رمضان وكان سبب ذلك ان الأتراك لما رأوا ان البلاد تخرب وأنه ليس عندهم سلطان يجمع كلمتهم قصدوا دار الخلافة وأرسلوا يعتذرون إلى الخليفة من انفرادهم بالخطبة لجلال الدولة أولا ثم برده ثانيا والخطبة لأبي كاليجار وقالوا ليس عندنا الآن من يجمع كلمتنا ونسأل ان ترسل إلى جلال الدولة ليصعد إلى بغداد ويملك الامر ويجمع الكلمة ويخطب له فيها ويسألون ان يحلفه الرسول السائر لاحضاره لهم فأجابهم الخليفة إلى ما سألوا وراسله هو وقواد الجند في الإصعاد واليمين للخليفة والأتراك فحلف لهم وأصعد إلى بغداد وانحدر الأتراك اليه فلقوه في الطريق وأرسل الخليفة اليه القاضي أبا جعفر السمناني فأعاد تجديد العهد عليه للخليفة والأتراك ففعل ولما وصل إلى بغداد نزل النجمي فركب الخليفة في الطيار وانحدر يلتقيه فلما رآه جلال الدولة قبل الأرض بين يديه وركب في زبزبه ووقف قائما فامره الخليفة بالجلوس فخدم وجلس ودخل إلى دار المملكة بعد ان مضى إلى مشهد موسى بن جعفر فزار وقصد الدار فدخلها وأمر بضرب الطبل أوقات الصلوات الخمس فراسله الخليفة في منعه فقطعه غضبا حتى أذن له في اعادته، ففعل، وأرسل جلال الدولة مؤيد الملك أبا علي الرخجي إلى الأثير عنبر الخادم، وهو عند قرواش يعرفه اعتضاده به واعتماده عليه وصحبته له ويعتذر اليه عن الأتراك فعذرهم وقال هم أولاد واخوة اه وقال في حوادث سنة 419 في هذه السنة ثار الأتراك ببغداد على جلال الدولة وشغبوا وطالبوا الوزير أبا علي بن ماكولا بمالهم من العلوفة والادرار ونهبو داره ودور كتاب الملك وحواشيه حتى المغنين والمخنثين ونهبوا صياغات أخرجها جلال الدولة لتضرب دنانير ودراهم وتفرق فيهم وحصروا جلال الدولة في داره ومنعوه الطعام والماء حتى شرب أهله ماء البئر وأكلوا ثمرة البستان فسألهم ان يمكنوه من الانحدار فاستأجروا له ولأهله وأثقاله سفنا فجعل بين الدار والسفن سرادقا لتجتاز حرمه فيه لئلا يراهم العامة والأجناد فقصد بعض الأتراك السرادق فظن جلال الدولة انهم يريدون الحرم فصاح بهم يقول لهم بلغ أمركم إلى الحرم وتقدم إليهم وبيده طبر فصاح صغار الغلمان والعامة جلال الدولة يا منصور ونزل أحدهم عن فرسه وأركبه إياه وقبلوا الأرض بين يديه فلما رأى قواد الأتراك ذلك هربوا إلى خيامهم بالرملة وخافوا على نفوسهم وكان في الخزانة سلاح كثير فأعطاه جلال الدولة أصاغر الغلمان وجعلهم عنده ثم ارسل إلى الخليفة ليصلح الامر مع أولئك القواد فأرسل إليهم الخليفة القادر بالله فاصلح بينهم وبين جلال الدولة وحلفوا فقبلوا الأرض بين يديه ورجعوا إلى منازلهم فلم يمض غير أيام حتى عادوا إلى الشغب فباع جلال الدولة فرشه وثيابه وخيمه وفرق ثمنها فيهم حتى سكنوا اه وقال في حوادث سنة 420 في هذه السنة اصعد الملك أبو كاليجار إلى مدينة واسط فملكها وسببه ان نور الدولة دبيس بن علي بن مزيد كان بينه وبين المقلد بن الحسن بن مزيد عداوة فاجتمع هو ومنيع أمير خفاجة وأرسلا إلى بغداد إلى جلال الدولة يبذلان مالا يتجهز به العسكر لقتال نور الدولة فخطب نور الدولة لأبي كاليجار وراسله يطمعه في البلاد، واتفق ان أبا كاليجار ملك البصرة، فسار من الأهواز إلى واسط فملكها، وأرسل أبو كاليجار إلى قرواش صاحب الموصل يطلب منه ان ينحدر إلى العراق ليبقى جلال الدولة بين الفريقين، فانحدر إلى الكحيل وجمع جلال الدولة عساكره واستنجد أبا الشوك فارس بن عناز الكردي وانحدر إلى واسط ولم يكن بين العسكرين قتال، وتتابعت الأمطار حتى هلكوا، واشتد الامر على جلال الدولة لقلة الأموال عنده فاستشار أصحابه فأشاروا ان يقصد الأهواز ويأخذ ما بها من أموال أبي كاليجار، فسمع بذلك أبو كاليجار فاستشار أصحابه فقال بعضهم: ما عدل جلال الدولة عن القتال الا لضعفه، والرأي ان تسير إلى العراق فتأخذ من أموالهم ببغداد اضعاف ما يأخذون منا فاتفقوا على ذلك، فأتاهم جاسوس من أبي الشوك يخبر بمجئ عساكر محمود بن سبكتكين إلى طخار يريدون العراق ويشير بالصلح واجتماع الكلمة على دفعهم عن البلاد، فانفذ أبو كاليجار الكتاب إلى جلال الدولة فلم يلتفت جلال الدولة إلى ذلك ومضى إلى الأهواز فنهبها وأخذ من دار الامارة مائتي ألف دينار وأخذوا ما لا يحصى، فسار أبو كاليجار ليلقى جلال الدولة، فتخلف عنه دبيس خوفا على حاله من خفاجة، والتقى أبو كاليجار وجلال الدولة آخر ربيع الأول سنة 421 فاقتتلوا ثلاثة أيام وأنهزم أبو كاليجار وعاد جلال الدولة واستولى على واسط وجعل ابنه العزيز بها وأصعد إلى بغداد، ومدحه المرتضى ومهيار وغيرهما، وهناوه بالظفر اه. وقال في حوادث سنة 420 أيضا ان علي بن عيسى الربعي النحوي كان يوما على شاطئ دجلة ببغداد والملك جلال الدولة والمرتضى والرضي كلاهما في سمارية ومعهما عثمان بن جني النحوي فناداه الربعي: أيها الملك ما أنت صادق في تشيعك لعلي بن أبي طالب، يكون عثمان إلى جانبك وعلي - يعني نفسه - هاهنا؟ فامر بالسمارية فقربت إلى الشاطئ وحمله معه. وقيل: ان هذا القول كان للشريف المرتضى وأخيه الرضي ومعهما عثمان بن جني، فقال ما أعجب أحوال الشريفين! يكون عثمان معهما وعلي يمشي على الشط.
قال: وفيها كان أبو المسك عنبر الملقب بالأثير قد أصعد إلى الموصل مغاضبا لجلال الدولة وكان خصيا لبهاء الدولة بن بويه وكان قد بلغ مبلغا عظيما لم يخل أمير ولا وزير في دولة بني بويه من تقبيل يده والأرض بين يديه - فلقيه قرواش وأهله وقبلوا الأرض بين يديه، وكان اتفق مع قرواش وأبي كاليجار ان يصعد أبو كاليجار من واسط وينحدر الأثير وقرواش من الموصل لقصد جلال الدولة، فانحدر الأثير فلما وصل الكحيل توفي. وقال في حوادث سنة 421: فيها في شوال سير جلال الدولة عسكرا إلى المذار وبها عسكر أبي كاليجار واقتتلوا وانهزم عسكر أبي كاليجار واستولى أصحاب جلال الدولة على المذار، فسير أبو كاليجار إليهم عسكرا كثيفا فاقتتلوا فانهزم عسكر جلال الدولة وعاد من سلم من المعركة إلى واسط. ولما استولى جلال الدولة على واسط وجعل ولده فيها سير وزيره أبا علي بن ماكولا إلى البطايح والبصرة ليملكها فملك البطايح وسار إلى البصرة في الماء وأكثر من السفن والرجال وكان بالبصرة أبو منصور بختيار بن علي نائبا لأبي كاليجار، فجهز جيشا في 400 سفينة وجعل عليها أبا عبد الله الشرابي الذي كان صاحب البطيحة، فلما التقوا هبت ريح شمال كانت على البصريين ومعونة للوزير، فانهزم البصريون وعادوا إلى البصرة، فعزم بختيار على الهرب إلى