وفي الأغاني: قال علي بن العباس حدثني عبد الله بن عثمان عن أبيه قال غاب عنا جعيفران أياما ثم جاءنا والصبيان يشدون خلفه فلما بلغ إلي وقف وتفرقوا عنه فقال يا أبا عبد الله:
رأيت الناس يدعوني * بمجنون على حالي وما بي اليوم من جن * ولا وسواس بلبال ولكن قولهم هذا * لافلاسي واقلالي ولو كنت أخا وفر * رخيا ناعم البال رأوني حسن العقل * أحل المنزل العالي وما ذاك على خير * ولكن هيبة المال فأدخلته منزلي وأطعمته ثم قلت له تقدر على أن تغير القافية فقال نعم ثم قال بديهة غير مفكر ولا متوقف.
رأيت الناس يرموني * أحيانا بوسواس ومن يضبط يا صاح * مقال الناس في الناس فدع ما قاله الناس * ونازع صفوة الكاس فتى حرا صحيح الود * ذا بر وايناس فان الخلق مغرور * بأمثالي وأجناسي ولو كنت أخا مال * أتوني بين جلاسي يحيوني ويحبوني * على العينين وا لرأس ويدعوني عزيزا * غير أن الذل افلاسي ثم قام يبول فقال بعض من حضر: أي شئ معنى عشرتنا هذا المجنون والله ما نأمنه وهو صاح، وفطن جعيفران للمعنى فخرج الينا وهو يقول:
وندامى اكلوني * إذ تغيبت قليلا زعموا اني مجنن * أرى العري جميلا كيف لا اعري وما * ابصر في الناس مثيلا ان يكن قد ساءكم قربي * فخلوا لي سبيلا وأتموا يومكم * سركم الله طويلا فرققنا له واعتذرنا اليه وقلنا له والله ما نلتذ الا بقربك واتيناه بثوب فلبسه. وفي الأغاني بسنده: تقدم جعيفران إلى أبي يوسف الأعور القاضي بسر من رأي في حكومة في شئ كان في يده من وقف له فدفعه عنه وقضى عليه فقال له أراني الله أيها القاضي عينيك سواء فاخذه إلى داره وأطعمه وأعطاه دراهم وقال ماذا أردت بدعائك أردت ان يرد الله علي ما ذهب من بصري؟ فقال والله لئن كنت وهبت لي هذه الدراهم لأسخر منك لأنت المجنون لا أنا، أخبرني كم من أعور رأيته عمي؟ قال كثير، فهل رأيت أعور صح فقط؟ قال لا قال فكيف توهمت علي الغلط فضحك وصرفه.
وبسنده عن علي بن يوسف قال كنت عند أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي فاستأذن عليه حاجبه لجعيفران الموسوس فقال اي شئ اصنع بموسوس، قضينا حقوق العقلاء وبقي علينا حقوق المجانين؟ فقلت له جعلت فداء الأمير، موسوس أفضل من كثير من العقلاء، وان له لسانا يتقى وقولا مأثورا يتقى، فالله الله أن تحجبه فليس عليك منه أذى ولا ثقل فاذن له فلما مثل بين يديه قال:
يا أكرم العالم موجودا * ويا أعز الناس مفقودا لما سالت الناس عن واحد * أصبح في الأمة محمودا قالوا جميعا انه قاسم * أشبه آباء له صيدا لو عبدوا شيئا سوى ربهم * أصبحت في الأمة معبودا لا زلت في نعمى وفي غبطة * مكرما في الناس معدودا فامر له بكسوة وبألف درهم، فلما جاء بالدراهم أخذ منها عشرة وقال: تأمر القهرمان ان يعطيني الباقي مفرقا كلما جئت لئلا يضيع مني، فقال للقهرمان اعطه المال، وكلما جاءك فاعطه ما شاء حتى يفرق الموت بيننا فبكى جعيفران وقال:
يموت هذا الذي أراه * وكل شئ له نفاد لو غير ذي العرش دام شئ * لدام ذا المفضل الجواد ثم خرج فقال أبو دلف: أنت كنت أعلم به مني. قال وغبر عني مدة ثم لقيني وقال يا أبا الحسن ما فعل أميرنا وسيدنا وكيف حاله؟ فقلت بخير وعلى غاية الشوق إليك فقال وانا والله يا أخي أشوق ولكني أعرف أهل العسكر (سامراء) وشرههم والحاحهم، والله أراهم يتركونه من المسالة ولا يتركه كرمه ان يخليهم من العطية حتى يخرج فقيرا ولكن أسمع ما قلته في وقتي هذا قلت هاته يا أبا الفضل فأنشأ يقول:
أبا حسن بلغن قاسما * باني لم اجفه عن قلا ولا عن ملال لاتيانه * ولا عن صدود ولا عن عنا ولكن تعففت عن ماله * وأصفيته مدحتي والثنا أبو دلف سيد ماجد * سني العطية رحب الفنا فأبلغتها أبا دلف وحدثته الحديث، فقال لي قد لقيته منذ أيام فلما رأيته وقفت له وسلمت عليه وتحفيت به فقال لي سر أيها الأمير على بركة الله ثم قال لي:
يا معدي الجود على الأموال * ويا كريم النفس في الفعال قد صنتني عن ذلة السؤال * بجودك الموفي على الآمال صانك ذو العزة والجلال * من غير الأيام والليالي ولم يزل يختلف إلى أبي دلف ويبره حتى افترقا بالموت. وفي الأغاني بسنده عن أبي العيناء، قال اجتمع جعيفران الموسوس ومحمد بن بشير في بستان فنظر إلى محمد بن بشير وقد انفرد ناحية لقضاء الحاجة ثم قام عن شئ عظيم فقال جعيفران:
قد قلت لابن بشير * لما رمى من عجانه في الأرض تل سماد * علا على كثبانه طوبى لصاحب ارض *... في بستانه فجعل ابن بشير يشتمه اه. ووقف جعيفران الموسوس على ابن علي ابن إسماعيل الهاشمي فقال له أعطني درهما فامر الغلمان بطرده فطردوه فولى وهو ينشد:
قد زعم الناس ولم يكذبوا * انك من غير بني هاشم فقال لغلمانه ردوه وأعطوه درهمين فاخذهما وانصرف وهو ينشد قد كذب الله أحاديثهم * يا هاشمي الأصل من آدم وفاته في الأغاني بسنده عن عثمان بن محمد عن أبيه قال كنت أشرف مرة