المحمول في مسائل فصل منه أمرا وحدانيا، كعلم النحو، فإن المرفوعية (مثلا) تارة تحمل على الفاعل، وأخرى على المبتدأ، وتتحصل بذلك مسألتان، ومع ذلك فالمرفوعية وإن كانت تغاير المنصوبية، لكن بينهما جهة جامعة ذاتية، حيث إن كلا منهما من تعينات الاعراب الحاصل لاخر الكلمة.
وبالجملة: فليس المحمول يختلف دائما في جميع مسائل العلم. وأما موضوعات المسائل فهي مما تختلف دائما في جميع المسائل، من أي علم كانت.
وحيث عرفت في المقدمة الأولى أن في كل مسألة من مسائل العلم توجد جهتان: جهة ذاتية جامعة بين جميع مسائل هذا العلم، وبها تمتاز من مسائل سائر العلوم، وجهة ذاتية بها تمتاز هذه المسألة من غيرها من مسائل هذا العلم. وعرفت (أيضا) أن الجهتين ليستا خارجتين من الموضوع والمحمول، فلا محالة تنحصر الجهة الأولى في المحمول، والجهة الثانية في موضوع المسائل، لأنه الذي يختلف في جميع المسائل بخلاف المحمول.
وبعبارة أخرى: تمايز مسائل العلم بتمايز موضوعاتها، وتمايز العلوم بتمايز ما هو الجامع لمحمولات مسائلها.
المقدمة الثالثة: أن المراد بالعرض في قولهم: (موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية) هو العرض باصطلاح المنطقي لا الفلسفي، فإن العرض الفلسفي عبارة عن ماهية، شأن وجودها في الخارج أن يكون في الموضوع، ويقابله الجوهر.
والعرض المنطقي عبارة عما يكون خارجا من ذات الشئ، متحدا معه في الخارج، ويقابله الذاتي. وبين الاصطلاحين بون بعيد، فإن العرض المنطقي قد يكون جوهرا من الجواهر (كالناطق) بالنسبة إلى (الحيوان) وبالعكس، حيث إن كلا منهما خارج من ذات الاخر، و محمول عليه، فيصدق عليه تعريف العرض المنطقي، وإن كان كل منهما ذاتيا بالنسبة إلى الانسان، فالعرض باصطلاح الفلسفي مطلق، و باصطلاح المنطقي أمر نسبي، فإن (الفصل) مثلا بالنسبة إلى (الجنس) عرض خاص، وبالنسبة إلى (النوع) المؤلف منه ذاتي له. وأما المقولات التسع العرضية باصطلاح الفلسفي فلا تتغير عن وصف العرضية باختلاف الاعتبارات والنسب.
المقدمة الرابعة: لا يخفى أن كل واحد من الموضوع والمحمول في مسائل العلم عرض بالنسبة إلى الاخر، ولا يقصر وصف العروض على المحمول، إذ المراد بالعرض هنا - كما عرفت - هو العرض باصطلاح المنطقي، وهو عبارة عما يكون خارجا من ذات الشئ، ومتحدا معه في الخارج، ففي قولنا في العلم الإلهي: (الجسم الموجود) كل واحد من وصفي الجسمية والوجود