هذه المطلوبية في إيجاد خطاب اخر ليتسبب به إلى المقصود بعد عدم وفاء السبب الأول أعني الخطاب الواقعي بهذا المقصد، وقد عرفت ان هذه المطلوبية هو روح الحكم وحقيقته، فما هو روح الحكم فعلى مطلقا وهو الذي يتسبب إلى حصول متعلقه تارة بالخطاب الواقعي وأخرى بالخطاب الظاهري، فافهم وتأمل.
هذا كله، بناء على كون المجعول في الامارات، عبارة عن الأحكام التكليفية من جهة توهم عدم قابلية نفس الحكم الوضعي في المقام كالحجية ونحوها للجعل ولزوم كونها منتزعة من الأحكام التكليفية، و اما بناء على قابليتها له وكونها مجعولة، فليست في باب الامارات أحكام طريقية كما لا يخفى.
تذنيبان:
الأول: بيان ما هو المجعول في الأمارات الشرعية قد يقال: ان المجعول في باب الامارات، أحكام الطريقية وقد يقال: ان المجعول فيها هو الحجية كما في الكفاية وقد يقال: ان المجعول فيها هو الطريقية والوسطية في الاثبات ونحوهما من التعابير كما في تقريرات بعض الأعاظم.
أقول: اما الحكم الطريقي، فقد عرفت تعريفه وملخص ما قلنا فيه: ان البعث الواقعي إذا لم تمكن داعويته في نفس العبد لجهله به وعدم عثوره عليه فلا يخلو اما أن تكون إرادة المولى لانبعاث العبد وتحركه نحو العمل باقية واما ان لا تبقى، فان بقيت فلا بد له من جعل حكم اخر ليكون وصوله إلى العبد موجبا لتنجز الواقع عليه على فرض الإصابة، وحيث إن ملاك هذا الحكم نفس ملاك الواقع، فلا محالة إذا طابق الواقع فهو عينه، لا حكم آخر، إذ الفرض ان منشأهما ملاك واحد وإرادة واحدة، وإذا خالف الواقع كان حكما صوريا ليست على طبقه إرادة لعدم اشتمال متعلقها على الملاك. ولا يخفى ان هذا النحو من الحكم يكفي لتنجز الواقع، الا ترى ان العقل الذي يحكم بقبح العقاب بلا بيان يحكم أيضا بصحة العقاب على الواقع إذا حكم المولى بوجوب العمل بما يخبر به الثقة أو يقوم عليه الاستصحاب أو بوجوب الاخذ بأحد طرفي الاحتمال أو بوجوب الاحتياط ونحو ذلك فخالفه العبد واتفق مصادفة مؤدياتها للواقع.