وعلى بكر كذلك، ولا يمكن أن يقال: إن زيدا وعمرا وبكرا مصداق للانسان، بل كل واحد منهم مصداق بشخصه، لما تقرر في محله من أن الطبيعي يتكثر بتكثر أفراده، فكذلك عنوان المقدمة يصدق على كل واحد من الركوع والسجود والقرأة وهكذا، لا على الركوع و السجود والقراءة، فإنها مقدمات لا مقدمة، ولا دليل على اعتبار التغاير بين مجموع المقدمات وذي المقدمة، وإنما يعتبر التغاير بين كل مقدمة وذيها، فالركوع مقدمة للصلاة ومغاير لها، والسجود أيضا مقدمة ومغاير لها وهكذا، ولكن مجموع الركوع والسجود و القراءة وسائر الاجزاء مقدمات، وهي عين الصلاة.
وبتقرير آخر: الجز فيما هو كثير حقيقة وواحد بالاعتبار كالصلاة مثلا، نظير البعض فيما هو واحد حقيقة وكثير بالاعتبار، فالماء الموجود في الحوض مثلا موجود واحد ممتد حقيقة، ولكن يمكن أن يعتبر له أبعاض يختلف كل منها مع الكل ومع سائر الابعاض، فالبعض الموجود منه في جانب المشرق إذا لو حظ بحياله وبحدوده مغاير للكل وللبعض الموجود منه في جانب المغرب مثلا، وكذلك البعض الموجود منه في طرف الجنوب إذ لوحظ بحياله مغاير للكل و للابعاض الاخر.
وقد عرفت في مبحث المشتق أن كل ما يتصور له أجزأ أو أبعاض فكل جز أو بعض منه يمكن أن يلحظ بنحو الابهام في التحصل، فلا يكون في هذا اللحاظ مغايرا للكل ولسائر الاجزاء أو الابعاض، و يمكن أن يلحظ تام التحصل فيختلف في هذا اللحاظ مع الكل ومع سائر الأجزاء والابعاض.
وبالجملة: ماء الحوض - مع وحدته وبساطته - يمكن أن تعتبر له أبعاض يغاير كل منها مع الكل ومع سائر الابعاض، وإن كان المجموع عين الكل، فإذا عرفت حال الواحد الحقيقي فقس عليه الواحد الاعتباري كالصلاة مثلا، فإنها وإن كانت عبارة عن متكثرات في الوجود، بحيث يمتاز كل منها من غيره، ولكنها قد لوحظت هذه المتكثرات بنظر الوحدة واعتبرها الامر موجودا واحدا من جهة اشتمالها على غرض واحد. وكل واحد من هذه المتكثرات جز و بعض له، ويخالف وجود الكل إذا لو حظ هذا الجز موجودا بحياله، و يكون وجود هذا الواحد الاعتباري محتاجا إلى وجود هذا الجز، فيكون الجز مقدمة من مقدماته.
والحاصل: أن الجز الذي يطلق عليه المقدمة هو الذي تألف منه ومن غيره الكل فالكل