ولا إشكال في حكم الوجهين الأولين، فإنه في الأول منهما يجب الاقتصار في ترتب الحكم على بقاء العنوان، ولا يجوز ترتيب آثار بقاء الحكم مع زوال الوصف العنواني عن الحقيقة، وفي الثاني يجوز التعدي إلى غير ما اخذ في ظاهر الدليل عنوانا للموضوع، بل يجب ترتيب آثار بقاء الحكم في جميع التغيرات والتبدلات الواردة على الحقيقة وإن سلب عنها العنوان والاسم الذي كان لها أولا.
وبهذين الوجهين يجمع بين قولهم: " الاحكام لا تدور مدار الأسماء " وبين قولهم: " إنها تدور مدار الأسماء " فان المراد من كونها " لا تدور مدار الأسماء " هو ما إذا كان الحكم واردا على نفس الحقيقة والذات بلا دخل للاسم والعنوان فيه، والمراد من كونها " تدور مدار الأسماء " هو أنه لو كان للعنوان والاسم دخل في الحكم، فلا يتوهم المناقضة بين القولين. وقد عرفت: أن استفادة أحد الوجهين إنما يكون من الخارج أو من الدليل، ولا مجال للاستصحاب في كل من الوجهين، لأنه لا موقع للاستصحاب مع قيام الدليل على أحدهما.
وأما الوجه الثالث: وهو ما إذا لم يحصل العلم بأحد الوجهين وشك في كون الوصف العنواني له دخل في الحكم أولا فان كانت المراتب المتبادلة والحالات الواردة على الحقيقة متباينة عرفا - بحيث تكون الذات الواجدة لعنوان خاص تباين الذات الفاقدة له وكان الوصف العنواني بنظر العرف مقوما للحقيقة والذات - كان ارتفاع الوصف عن الذات موجبا لانعدام الحقيقة عرفا، فلا إشكال أيضا في وجوب الاقتصار على ما اخذ في الدليل عنوانا للموضع ولا يجوز التعدي عنه، لان الذات الفاقدة للوصف موضوع آخر يباين ما اخذ في الدليل موضوعا للحكم، ولا يجري فيه الاستصحاب، لأنه يلزم تسرية حكم من موضوع إلى موضوع آخر.