وأما إذا لم تكن المراتب المتبادلة موجبة لتغير الحقيقة والذات عرفا، بل كانت المراتب من الحالات التي لا يضر تبادلها في صدق بقاء الحقيقة وكانت الذات عرفا باقية ومحفوظة في جميع التبدلات والتقلبات الواردة عليها أو في بعضها، ففي مثل ذلك يجري استصحاب بقاء الحكم ويثبت بقائه في الحالات المتبادلة، ولا يضر في جريان الاستصحاب عدم صدق العنوان والاسم عند ارتفاع ما اخذ في ظاهر الدليل عنوانا للموضوع بعد بقاء الحقيقة على ما هي عليها.
فمورد الاستصحاب هو ما إذا كان دليل الحكم غير متكفل لحكم المشكوك فيه ولكن كان المشكوك فيه بنظر العرف عين المتيقن، سواء صدق على المشكوك اسم المتيقن أو لم يصدق عليه اسم المتيقن.
ولا يتوهم: أنه مع صدق اسم المتيقن على المشكوك لا يحتاج في إثبات الحكم إلى الاستصحاب بل يكفي في ثبوت الحكم للمشكوك نفس الدليل الذي رتب الحكم فيه على المسمى بالاسم الكذائي. فإنه يمكن أن لا يكون لدليل الحكم إطلاق يعم صورة تبدل الحالة التي لا تضر ببقاء الاسم والعنوان، فنحتاج فني إثبات الحكم مع تبدل بعض حالات الموضوع إلى الاستصحاب.
الامر الثالث: المستصحب إذا كان حكما شرعيا، فإما أن يكون حكما جزئيا وإما أن يكون حكما كليا، ونعني بالحكم الجزئي هو الحكم الثابت على موضوعه عند تحقق الموضوع خارجا الموجب لفعلية الحكم - على ما تكرر منا من أن فعلية الحكم إنما يكون بوجود موضوعه في الخارج - فعند وجود زيد المستطيع خارجا يكون وجوب الحج في حقه فعليا، وهو المراد من الحكم الجزئي في مقابل الحكم الكلي، وهو الحكم المنشأ على موضوعه المقدر وجوده على نهج القضايا الحقيقية، كوجوب الحج المنشأ أزلا على البالغ العاقل المستطيع.
ثم إن الشك في بقاء الحكم الجزئي لا يتصور إلا إذا عرض لموضوعه