وأما الحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل بقاعدة الملازمة، فلا يمكن استصحابه أيضا، لان المناط للحكم الشرعي هو المناط في الحكم العقلي، فلا يمكن أن يكون دائرة ما يقوم به مناط الحكم الشرعي أوسع من دائرة ما يقوم به مناط الحكم العقلي، فان الحكم الشرعي إنما استفيد من حكم العقل، فلابد من أن يكون للخصوصية الزائلة دخل في مناط حكم الشرع أيضا، لاتحاد ما يقوم به المناط فيهما، فالعلم بارتفاع مناط الحكم العقلي يلازم العلم بارتفاع مناط الحكم الشرعي، فكما لا يمكن استصحاب الحكم العقلي عند انتفاء بعض خصوصيات الموضوع، كذلك لا يمكن استصحاب الحكم الشرعي المستفاد منه، فالحكم الشرعي أيضا إما أن يكون مقطوع الارتفاع وإما أن يكون مقطوع البقاء، ولا يتطرق الشك فيه أبدا. هذا حاصل ما أفاده الشيخ، بتحرير منا.
ولكن للنظر فيه مجال.
أما أولا: فلان دعوى: كون كل خصوصية أخذها العقل في موضوع حكمه لابد وأن يكون لها دخل في مناط حكمه واقعا، ممنوعة، بداهة أنه ربما لا يدرك العقل دخل الخصوصية في مناط الحسن والقبح واقعا، وإنما أخذها في الموضوع لمكان أن الموضوع الواجد لتلك الخصوصية هو المتيقن في قيام مناط الحسن أو القبح فيه، مع أنه يحتمل واقعا أن لا يكون لها دخل في المناط، مثلا يمكن أن يكون حكم العقل بقبح الكذب الضار الذي لا يترتب عليه نفع للكاذب ولا لغيره إنما هو لأجل أن الكذب المشتمل على هذه الخصوصيات هو القدر المتيقن في قيام مناط القبح فيه، مع أنه يحتمل أن لا يكون لخصوصية عدم ترتب النفع دخل في القبح، بل يكفي في القبح مجرد ترتب الضرر عليه وإن لزم منه حصول النفع للكاذب أو لغيره، والحكم الشرعي المستكشف من حكم العقل إنما يدور مدار ما يقوم به مناط القبح واقعا، فيمكن بقاء الحكم الشرعي مع انتفاء بعض الخصوصيات التي أخذها العقل في الموضوع من باب القدر المتيقن،