وظيفة الشارع كجعلها، غايته أن وضعها ورفعها إنما يكون بوضع منشأ الانتزاع ورفعه، وهو التكليف بالأكثر وبسطه على الجزء المشكوك فيه، فكما أن للشارع الامر بالمركب على وجه يعم الجزء الزائد، كذلك للشارع رفعه بمثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - " رفع مالا يعلمون " ونحو ذلك من الأدلة الشرعية المتقدمة في مبحث البراءة، وبذلك ينحل العلم الاجمالي ويرتفع الاجمال عن الأقل، ويثبت إطلاق الامر به وكون وجوبه لا بشرط عن انضمام الزائد إليه.
ولا يتوهم: أن رفع التكليف عن الأكثر لا يثبت به إطلاق الامر بالأقل إلا على القول بالأصل المثبت.
فإنه قد تقدمت الإشارة إلى أن التقابل بين الاطلاق والتقييد ليس من تقابل التضاد لكي يكون إثبات أحد الضدين برفع الآخر من الأصل المثبت، بل التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، وليس الاطلاق إلا عبارة عن عدم لحاظ القيد، فحديث الرفع بمدلوله المطابقي يدل على إطلاق الامر بالأقل وعدم قيدية الزائد، وبذلك يتحقق الامتثال القطعي للتكليف المعلوم بالاجمال، لما تقدم في المباحث السابقة: من أن الامتثال القطعي الذي يلزم العقل به هو الأعم من الوجداني والتعبدي، إذ العلم الاجمالي بالتكليف لا يزيد عن العلم التفصيلي به، ولا إشكال في كفاية الامتثال التعبدي في موارد العلم التفصيلي بالتكليف.